الأحد 6 يوليو 2025 06:53 صـ 11 محرّم 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

كيف انتقل عرش بلقيس من مارب إلى فلسطين؟

جدل كبير دار في مجموعة نقوش يمنية حول خرافة انتقال عرش سبأ إلى فلسطين في قصة سليمان، والقصة أضيفت لها أساطير كثيرة حشدها المفسرون أخرجوا القرآن عن سياقه ومضمونه، وحاولوا إلصاق الخرافة باليمنيين للتقليل من شأن الحضارة اليمنية بإزاء قبيلة قريش التي نفخت ريشها في العصر الأموي والعباسي.

وللتوضيح نقول:

١- إن فكرة انتقال العرش أكذوبة لا مصاديق لها من الأركولوجيا ولا التاريخ، والذين قالوا بها إنما حاولوا تأويل النص القرآني دون البحث عن علة عقلية أو علمية أو تاريخية تسند ادعائهم.

٢- القرآن لم يقل أن العرش انتقل ولم يثبت ذلك، وإنما سليمان قال أيكم ياتيني بعرشها، وهو يقصد بوصف عرشها بشكل عرشها بهيئة عرشها، لأنه في اللغة العربية يطلق الكل ويراد به الجزء.

٣- لو كان العرش انتقل فعلا لكان هذا خرقا عظيما لسنن الكون وقوانينه ونواميسه، إذ كيف ينتقل قصر ملك امبراطورية عظمى مسافة ألفي كيلو متر، بكتلته المادية وهيئته المعمارية دون أن يفكك إلى أجزاء، ولو فكك إلى أجزاء لصار عدما، ولا يصح أن يطلق عليه عرشا بعدها لأنه سيصبح أحجارا منفصلة.

٤- لا يوجد قانون علمي إلى هذه اللحظة يقول بإمكانية انتقال جسم مادي أو حتى جزيئات عبر مسافة زمنية دون واسطة نقل مادية، وبهيئة تتناسب مع طبيعة النقل وليس طبيعة التركيب.

٥- لو حدث انتقال العرش فإن حدث تاريخي كهذا يعتبر مفزع لكل الأمم، لأن انتقال قصر ملك امبراطورية بشكل كوني مفاجئ، يعني الحكم على الحضارة الإنسانية المادية بالزوال، لأنه سيصبح بالإمكان تدميرها، أو نقلها من مكان إلى أخر بالريموت، دون علم أهلها، وهذا ما لم ولن يحدث إلى قيام الساعة.

٦- لو كان حدث هذا الهول فعلا وانتقل عرش الامبراطورية لعلمت به كل أمم الأرض، ولدونته ووثقته وحكت عنه القصص والملاحم في كل الشعوب، وهذا ما ليس موجودا البته، بمعنى أنها فرية وشطحة مفسرين.

٧- لو كان انتقال عرش امبراطورية سبأ حدث فعلا لكان في ذلك أكبر معجزة يحصل عليها بنو اسرائيل تشهد بعظمتهم ، وعظمة ملكهم، واذا لدونتها كتبهم ومدوناتهم، وجعلت من انتقال العرش موسم احتفال سنوي، لأنها أكبر معجزة بشرية في تاريخ العالم.

٨- حدث كهذا سيكون مرعبا ومزلزلا، أن ينتقل قصر امبراطورية من عاصمتها إلى عاصمة دولة ثانية هذا يعني معجزة كونية وفي نفس الوقت انهيار الحضارة التي انتقل قصرها، وهذا لم يحدث، حيث ظلت حضارة سبأ وحمير قائمة بقصرها عرش سبأ حتى قبيل الإسلام.

٩- إذا كان المدعون لانتقال عرش امبراطورية سبأ مصرون على أكذوبتهم فهاتوا لنا أثرا لأي قصر قديم في فلسطين أو أورشليم بنفس نمط عرش سبأ، وبالنقوش التي يحتويها، وانتبهوا تقولوا أن الذي عنده علم من الكتاب نسي النقوش لأنها محفورة على احجار العرش والمعبد!

١٠- القرآن أوضح أن سليمان بني قصرا شبيها لقصر سبأ، حين سأل سليمان الملكة بلقيس ( أهكذا عرشك؟ قالت كأنه هو).

١١- التوارة في ثلاثة مواضع من سفر اعمال الرسل وسفر اخبار الملوك وسفر دنيال تؤكد أن سليمان أراد أن يبني قصرا مثيلا لقصر ملكة الجنوب، فطلب البنائين من حيفا ونهر الأردن ولبنان وأمرهم ببناء العرش والمعبد وجعل له درابزين، مطلي بالذهب وزخارف من الذهب والفضة ليكون كقصر ملكة سبأ... ألخ.

١٢- احتوى قصر سليمان على زيادة في البناء وهي الصرح الممرد بالزجاج، الذي حسبته لجة، ولم يكن موجودا في عرش سبأ، إذا لو كان موجودا لما حسبته لجة.

١٣- ملك سليمان لم يكن يضاهي امبراطورية سبأ بل كان مدينة صغيرة في اورشليم، ولكنه كان نبيا، فأراد أن يضيف لنبوته أبهة الملك، كي يتساوى معها في درجة الملوكية، ويدعي التفوق بالرسالة، وهو ما وضحته بقولها( وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) فهي لم تنبهر بملكه ابدا بل قللت من شأن ملكه بقولها ( كأنه هو) لأنه قصر بلا دولة ولا امبراطورية، ولكنها أسلمت بديانته التي لم تكن تملكها فقط، بمعنى أنها استفادت وقومها من رسالته السماوية فأخذتها وذهبت لنشرها في أفريقيا واستعادت سيطرة الامبراطورية على أفريقيا، ولا يزال الحبشة إلى اليوم يعتقدون أن بلقيس أمهم، وانها جائتهم بتابوت الرب، وهي فعلا جائتهم بالتوراة تدعوهم للدين الجديد.

١٤- انتهت دولة بني اسرائيل بعد سليمان وتمزقت واستمرت امبراطورية سبأ بعد بلقيس ١٦٠٠ عام.

١٥- تحكي التوراة بانبهار عظيم مقدم بلقيس على سليمان وتنص على أنها جاءت بألف ألف فارس، وسبعة ألف جمل محملة أطيابا وذهبا واحجار كريمة، وهو دليل على أنها خرجت جاهزة بجيشها للغزو فأختبرت سليمان، فلما وجدته نبيا اخذت ديانته وذهبت للغزو ونشر الديانة الجديدة.

١٦- يذهب البعض للترقيع فيقول أن المقصود بنقل العرش هو نقل الكرسي فقط وليس القصر، وهذا ترقيع مكشوف لأن المراد بالحديث عن العرش اكساب سليمان الأبهة والعظمة فأي أبهة في نقل كرسي للجلوس؟ وهل كان ينقص سليمان كرسي لكبار الضيوف؟ ثم إن القرآن يقول العرس ولا يورد اسم الكرسي مطلقا، ويقول ( فلما دخلته ... أي قصر الملك... فكيف تدخل الكرسي؟ وأي معجزة في نقل كرسي خشب يمكن يبنيه نجار في ساعتين؟ ثم إن هؤلاء المرقعين بقولهم هذا يستهتروا بالقرآن وبالنبي سليمان من حيث ظنوا الدفاع عنهم، لأن ادعاء أن المراد الكرسي، اتهام للقرآن بأنه لا يفرق بين العرش والكرسي لغة، واتهام لسليمان أن حدود معجزته أنه رسل واحد يشل كرسي خشب من مأرب!

١٧- لهذا كله فإن التفسير العلمي هو إن سليمان طلب وصف العرش ليبني مثله، وكان بين الحضور نحات أو رسام أو مؤرخ خبير باليمن أو مؤرخ يمني مهاجر، أعطى سليمان الوصف أو الرسم أو النحت المجسم للعرش والمعبد، فجلس سليمان ينظر إليه، حتى حذق التفاصيل كلها، فرد طرفه أي بصره، ثم أمر ببناء قصر شبيه لعرش سبأ، ولهذا حينما جاءت سألها ( أهكذا عرشك .. اجابت ....كأنه هو).

هذا ما يؤكده العقل العلمي والتفسير المنطقي ومنطق القرآن والتوارة والانجيل، ومنطق التاريخ والاركولوجيا.