محلل: التدخلات الأجنبية في سوريا تدفعها للأزمات السياسية والأمنية

قال المحلل السياسي والاقتصادي المهتم بالشأن السوري محمد عزيز: إن شكل منطقة الشرق الأوسط تغير جذريا مع إطاحة فصائل المعارضة السورية بنظام بشار الأسد عن السلطة، حيث صعد نفوذ دول بعينها بشكل تلقائي بينما سارعت دول أخرى على تثبيت ما بقي منه، الأمر الذي أثّر بشكل كبير على موازين القوى والخريطة السياسية لسوريا.
وأضاف أنه بالنظر إلى الخريطة السياسية لسوريا الآن يمكن إدراك خطورة الموقف وتقييم مدى أهمية النفوذ الخارجي في حسم مصير سوريا بعد سقوط الأسد، والحدود المرسومة على هذه الخريطة الآن ليست للحدود الإدارية للمحافظات أو المدن، بل لمناطق النفوذ المقسمة بين مجموعات محلية ترعاها أطراف خارجية، على رأسها تركيا وأمريكا من جهة وحدود تظهر مدى التوغل الإسرائيلي في عمق الأراضي السورية من جهة أخرى.
وتابع عزيز، أنه بحسب التقارير الصحفية، تحظى تركيا حاليًا بنفوذ لا مثيل له في سوريا، نظرًا لكونها الداعم الرئيسي والأساسي للمعارضة السورية منذ بداية الأزمة في سوريا عام 2011، مُتعهدة بدعم جارتها الجنوبية في إعادة الإعمار وبناء المؤسسات اللازمة لتعزيز استقرار البلاد، إذ أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن "أنقرة ستقف إلى جانب سوريا الجديدة بكل إمكاناتها".
ويرى المحلل السياسي والاقتصادي، أن تركيا بحاجة إلى سوريا "المفيدة" لتجعل من نصرها كما وصفته الإدارة الأمريكية في سوريا مفيدا بدوره، إلا أنها تواجه عراقيل جادة مع تدهور أساسيات المعيشة وارتفاع أسعار الخبز والغاز في عدة محافظات بعد إلغاء الدعم الحكومي سابقا عنهم، كما أن توقف إيران عن إرسال شحناتها النفطية إلى البلاد، أحدث فجوة كبيرة وخطيرة، خصوصًا مع استمرار سيطرة الفصائل الكردية على المنابع النفطية السورية بدعم أمريكي مباشر.
وأضاف عزيز، أن تصريحات وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، المتعلقة بإنشاء خط أنابيب نفطية وربطه بخط أنابيب العراق – تركيا، هو تصريح جريء نظرًا للوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تركيا نفسها، ولا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد، والتعويل على بناء خط أنابيب حتى وإن نجح لن يحل الأزمة الخانقة التي تشهدها سوريا حاليًا.
وأشار إلى السعي التركي الحثيث للقضاء على التنظيمات الكردية المسلحة بكافة أشكالها في الشمال السوري، والشمال الشرقي، أو سوريا "المفيدة" التي تتمتع بمعظم الثروات النفطية والزراعية، وهذا ما نراه جليا في استمرار المعارك بين الجيش الوطني السوري الحر مع قوات سوريا الديمقراطية (الكردية) إلى الآن على الرغم من سقوط نظام الأسد، ودعوات الولايات المتحدة الأمريكية إلى الهدنة.
وأوضح أن أهمية الشمال السوري بالنسبة لتركيا تتجاوز مسألة مكافحة الإرهاب وضمان أمن حدودها الممتدة لنحو 900 كيلومتر، إلى مسألة الانفراد بالنفوذ على سوريا، وإقصاء الولايات المتحدة الأمريكية وأجنداتها عن المشهد بحسب مراقبين، إذ إن تركيا من خلال وجودها العسكري ودعمها للجيش الوطني السوري استطاعت تأمين الضفة الغربية لنهر الفرات، بينما تتجه الأنظار نحو شرقي النهر، بالتزامن مع إنكار وزارة الدفاع التركية أي معلومة عن هدنة مرتقبة ورفضها لها، الأمر الذي يناقض التصريحات الأمريكية.
واستطرد عزيز، أن تركيا تستطيع تحقيق انتصارها الساحق بفرض النفوذ على سوريا "المفيدة" من خلال أوراق الضغط التي تحظى بها على السلطات السورية الجديدة وعلى هيئة تحرير الشام، التي قادت فصائل المعارضة نحو تحرير دمشق، ودفعهم إلى مواصلة قتال الفصائل الكردية شرقي الفرات، كما أن وجود أنقرة العسكري في سوريا يعتمد على تطورات الوضع الميداني ووضوح الصورة النهائية للواقع السوري، ولن تستبعد الإدارة التركية خيار إطلاق عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية كونها حشدت جزءًا كبيرًا من قواتها على الحدود بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
وأشار إلى أن الأجندات التركية تدفع البلاد إلى حرب لا طائل لها مع فصائل كردية ساعية لإيجاد موقع لها ضمن سوريا الجديدة، بالإضافة إلى أن تهديد النفوذ الأمريكي ومصالحه من شأنه أيضًا أن يؤثر على السلطات السورية الجديدة، التي تبحث حاليًا عن اعتراف شرعي دولي، ورفع للعقوبات الغربية.