كيف استجابت أسعار الذهب لرسوم ترامب الجمركية لعام 2025؟

أدى تطبيق رسوم الرئيس ترامب الجمركية في "يوم التحرير" الموافق الثاني من أبريل والتي بلغت ذروتها عند 145% على الواردات الصينية، إلى تقلبات فورية في الأسواق العالمية، وبحلول 22 أبريل 2025 ارتفعت أسعار الذهب إلى مستوى قياسي بلغ 3500 دولار للأونصة هو الأعلي على الاطلاق، مما يعكس زيادة بنسبة 12% على أساس شهري عن مستويات مارس 2025.
أشار خبراء السوق إلى أن ارتفاع أسعار تداول الذهب غير المسبوق مدفوع بمزيج من مخاوف الركود وضعف الدولار ومشتريات البنوك المركزية الذي يكاد أن يكون هوسًا، ويؤكد هذا الشعور اعتماد السوق على الذهب كأداة تحوط ضد حالة عدم اليقين السياسي.
كما أشار استراتيجيو السوق إلى أن ضعف الدولار ربما يكون المحفز الأهم لارتفاع سعر الذهب، حيث اتجه المستثمرون الدوليون نحو المعادن النفيسة، في حين يشككون في استقرار الدولار على المدى الطويل كعملة احتياطية عالمية.
انخفض مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) بنسبة 3.1% في أبريل 2025 مما زاد من جاذبية الذهب كأصل غير مُدر للعائد، وأفادت التقارير بأن البنوك المركزية وخاصة في دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) زادت احتياطياتها من الذهب بنسبة تُقدر بنحو 15% على أساس ربع سنوي، على الرغم من أن البيانات الرسمية لا تزال غير معلنة، وترددت شائعات عن أن البنك المركزي الفيتنامي ضاعف احتياطياته من الذهب ثلاث مرات وسط مخاوف بشأن تقلبات الدولار.
الذهب يكسر حاجز 3500 دولار أمريكي
شكّل اختراق الذهب لحاجز 3500 دولار أمريكي للأونصة إنجازًا تاريخيًا، مدفوعًا بإعادة تخصيص المستثمرين المؤسسيين ما بين 8% و 10% من محافظهم الاستثمارية للمعادن الثمينة، يُظهر تحليل حديث ارتباطًا بنسبة 22% بين إعلانات التعريفات الجمركية وارتفاع أسعار الذهب منذ عام 2018، وقد أدى اختراق المعدن لمستوى المقاومة الرئيسي هذا إلى تحفيز عمليات شراء خوارزمية عبر منصات التداول العالمية.
عند النظر إليه في سياقه التاريخي، يُظهر تحليل أداء الذهب أنه خلال توترات التعريفات الجمركية في عام 2025، تجاوز الذهب بشكل ملحوظ النزاعات التجارية السابقة، ففي حين شهدت الحرب التجارية بين عامي 2018 و 2019 ارتفاعًا في سعر الذهب بنسبة 18% تقريبًا على مدى تسعة أشهر، فإن ارتفاع الذهب في أبريل 2025 ضخّ مكاسب مماثلة في ثلاثة أسابيع فقط، مما يُبرز حساسية السوق المتزايدة للصدمات الجيوسياسية في ظل هذا المشهد الاقتصادي الجديد.
العوامل الرئيسية وراء زخم الذهب
تضافرت أربعة عوامل لدفع الذهب إلى مستويات غير مسبوقة:
- مخاوف الركود وعدم اليقين الاقتصادي: فقد أشارت المؤشرات الاقتصادية الرئيسية إلى انكماش محتمل في إنتاج الصناعات التحويلية، مع انخفاض مؤشر ISM الصناعي الأمريكي إلى ما دون 48.5 للشهر الثاني على التوالي.
- ضعف الدولار الأمريكي: عزز انخفاض الدولار بنسبة 3.1% مقابل سلة من العملات الرئيسية جاذبية الذهب للمستثمرين غير الدولاريين.
- أنماط شراء البنوك المركزية: بلغ حجم شراء القطاع الرسمي أعلى مستوى ربع سنوي منذ بدء تسجيل البيانات، حيث قادت الأسواق الناشئة جهود الاستحواذ.
- اتجاهات تنويع الاحتياطيات: أفادت التقارير أن العديد من دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بدأت تحولات كبيرة من الأصول المقومة بالدولار إلى الذهب، ويُعتقد أن ماليزيا وتايلاند في طليعة هذه إعادة التوزيع الاستراتيجية.
ارتفع سعر الذهب بنسبة 22% في أول 100 يوم من ولاية ترامب، وهو الأفضل منذ نيكسون
شهد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الذي يضم أكبر الشركات الأمريكية انخفاضًا بنسبة 7.5% منذ تولى "دونالد ترامب" منصبه رسميًا في 20 يناير، ووصفت صحيفة فاينانشال تايمز هذه البداية بأنها الأسوأ لسوق الأسهم الأمريكية خلال أول 100 يوم لرئيس جديد منذ عهد "جيرالد فورد" في السبعينيات، بل وذهبت بعض التقديرات إلى اعتبارها سيئة بقدر ما كانت عليه بداية عهد الرئيس "ريتشارد نيكسون"، ويُعزى هذا التدهور في الأسواق إلى حالة من الفوضى التي اجتاحت قطاع الأعمال، وسط أجواء من عدم الاستقرار السياسي والتوترات الجيوسياسية، والتي تفاقمت بفعل الإجراءات الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب.
في المقابل، اتجه المستثمرون بكثافة نحو الذهب كملاذ آمن مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعاره بنحو 22% خلال الفترة نفسها، ليسجل المعدن الأصفر في أول مائة يوم من ولاية ترامب أعلى قفزة له منذ عام 1973 عندما ارتفع بنسبة 39.1% مع بداية الولاية الثانية للرئيس نيكسون (وهي الفترة التي انتهت بعد 15 شهرًا باستقالته بسبب فضيحة ووترغيت)، كما شهد الذهب في بداية ولاية "جيرالد فورد" (الذي تولى الرئاسة خلفًا لنيكسون) ارتفاعًا بنسبة 21.9%.
وقد تم تداول الذهب عند مستوى 3310 دولار للأونصة يوم الثلاثاء (29 أبريل) مما يعكس مكاسب قوية بنسبة 22.2% خلال أول 100 يوم من رئاسة ترامب، كما سجل الذهب 26 مستوى قياسي جديد خلال هذه الفترة.
ارتفع كذلك الذهب باليورو والجنيه الإسترلينى بنسبة 11.4% و 11.9% علي التوالي، وبرغم هذه المكاسب إلا إنها لم تتجاوز نصف ما حققه المستثمرون بالدولار الأمريكي، ويُعزى هذا الفارق إلى الانخفاض الحاد في قيمة الدولار في أسواق الصرف الأجنبية والذي وصل إلى أدنى مستوياته منذ ثلاث سنوات، نتيجة الصدمة التي أحدثتها "الحرب التجارية" التي أطلقها ترامب وأثرت بشكل مباشر في ثقة الأسواق العالمية.
ومع وصول تهديدات الرئيس ترامب بفرض رسوم جمركية إلى ذروتها، إلى جانب وجود بوادر إيجابية بشأن اتفاق نووي محتمل مع إيران وهدنة مبدئية بين روسيا وأوكرانيا، يبدو أن سوق الذهب قد يقترب من نقطة تحول نحو تباطؤ فى وتيرة نموه، ويعتقد خبراء سوق السلع أن هذا التوجه أمر منطقي مشيرين إلى أن وصول سعر الذهب إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 3500 دولار كان نتيجة "حالة شراء مفرطة"، وأضافوا أن التراجع الذي تلا هذا الارتفاع جاء بفعل بعض التسهيلات في السياسات التجارية وربما نتيجة لتخفيف التوترات بين روسيا وأوكرانيا، وأضافوا أن استمرار هذا الاتجاه يعتمد على عدم تجدّد التوترات الجيوسياسية، وفي حال لم تتصاعد الأمور مجددًا، فإن وجهة النظر السائدة تبقى أن السوق قد بلغ ذروته.
من جانبه، يؤكد "جيمس ستيل" محلل المعادن الثمينة فى بنك "إتش إس بى سى" العالمى للسبائك، أن أي تراجع في احتمالات فرض رسوم جمركية سيؤدي بلا شك إلى تقليص أحد العوامل الرئيسية التي دفعت أسعار الذهب إلى الارتفاع، ويشير إلى أن الضبابية المحيطة بسياسات ترامب التجارية كانت سببًا في تراجع أسواق الأسهم، وفي الوقت نفسه، منحت الذهب دفعة قوية كملاذ آمن.
ويضيف ستيل: "إذا حصلنا علي بعض الوضوح فى ملف الرسوم الجمركية، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الزخم الصعودي للذهب"، لكنه يستدرك قائلاً: "على مدار العامين الماضيين، كانت العوامل الجيوسياسية هي المحرك الأساسي"، وخلص إلى أن الذهب، باعتباره أصلًا ثابتًا وملاذًا آمنًا، لا يزال المرشح الأبرز للاستفادة من هذه الأوضاع المضطربة.
كيف تؤثر التوترات التجارية على أسعار الذهب؟
لطالما شكّل الذهب ملاذًا ماليًا خلال فترات عدم اليقين الجيوسياسي، حيث كانت التوترات التجارية تُحرّك باستمرار تحركات أسعار أسواق المعادن الثمينة، يُظهر الارتباط بين النزاعات التجارية العالمية والذهب وانحسار التوترات التجارية نمطًا راسخًا اعتمد عليه المستثمرون لعقود.
- آلية الملاذ الآمن
عندما تتوتر العلاقات الدولية بسبب النزاعات التجارية، عادةً ما يُحوّل المستثمرون رؤوس أموالهم نحو الأصول التي تُعتبر مخازن مستقرة للقيمة، ويُعدّ الذهب ربما أشهر أصول "الملاذ الآمن" بتاريخه الممتد لخمسة آلاف عام كشكل موثوق لحفظ الثروة.
تكشف اتجاهات الذهب التاريخية أنه خلال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين (2018-2020) ارتفعت أسعار الذهب بنحو 18% في عام 2019 وحده، مما يُظهر قدرة المعدن الأصفر على مواجهة تزايد حالة عدم اليقين الاقتصادي، ولم يكن هذا محض صدفة، إذ يُظهر التحليل الإحصائي أن إعلانات فرض الرسوم الجمركية خلال هذه الفترة ارتبطت بارتفاع أسعار الذهب بنسبة 0.3-0.7% خلال 48 ساعة.
تنبع العوامل النفسية التي تُحرك هذا السلوك من استقلال الذهب المُتصور عن سيطرة الحكومة ومحدودية المعروض منه، فعلى عكس العملات الورقية التي يُمكن تخفيض قيمتها من خلال السياسة النقدية، يحتفظ الذهب بقيمته الجوهرية بغض النظر عن التطورات السياسية، وهي سمة جذابة بشكل خاص خلال النزاعات التجارية التي تُهدد استقرار العملات.
يقول محللون ماليون يراقبون أنماط السوق الأخيرة: "إن جاذبية الذهب خلال النزاعات التجارية ليست تقليدية فحسب بل رياضية أيضًا، فقد حافظ المعدن الأصفر تاريخيًا على ارتباط سلبي بالدولار خلال فترات تقلبات السوق الناجمة عن التجارة، مما يوفر تنويعًا حقيقيًا للاستثمارات عند الحاجة الماسة إليه."
- حركة الأسعار الأخيرة
اعتبارًا من 29 أبريل 2025، كان سعر الذهب يتداول بالقرب من 3316 دولار للأونصة، بعد انخفاض ملحوظ بنسبة 0.8%، تزامن ذلك مع انحسار التوترات التجارية، ويوضح هذا التعديل السعري العلاقة العكسية بين تهدئة الصراع التجاري والطلب على الذهب.
يمكن أن يُعزى رد فعل السوق مباشرةً إلى تطورات سياسية محددة، عندما أصدرت إدارة ترامب أوامر تنفيذية تمنع "تراكم" الرسوم الجمركية على المركبات المصنعة في الخارج وتخفض الرسوم على قطع غيار السيارات المستوردة المستخدمة في التصنيع المحلي، تحول اتجاه المستثمرين نحو الأصول ذات المخاطر العالية مما قلل من جاذبية الذهب كأداة تحوط.
أشار محللو السوق في بلومبرغ إلى أن هذه التعديلات الجمركية ساهمت بشكل كبير في تنامي الشعور بالرغبة في المخاطرة في الأسواق المالية، مما أدى إلى تثبيط مؤقت للطلب على الذهب كملاذ آمن، يتماشى هذا النمط مع سابقة تاريخية، حيث عادةً ما تؤدي التطورات البناءة في مفاوضات التجارة إلى تصحيحات قصيرة الأجل في أسعار الذهب.
بالمقارنة مع ردود فعل السوق السابقة تجاه إعلانات السياسة التجارية، كانت حركة أبريل 2025 معتدلة نسبيًا، فخلال ذروة التوترات بين الولايات المتحدة والصين في عام 2019 أدت تحولات مماثلة في السياسات أحيانًا إلى تقلبات في الأسعار تراوحت بين 1.5% و 2.0% مما يشير إلى أن ظروف السوق الأخيرة قد أدرجت درجة من عدم اليقين التجاري في تقييمات الذهب الأساسية.
ما هي التوترات التجارية الحالية التي تؤثر على الذهب؟
أعادت الأوامر التنفيذية الأخيرة تشكيل مشهد تجارة السيارات الدولية بشكل كبير، حيث ركزت قرارات إدارة ترامب تحديدًا على منع "تراكم" التعريفات الجمركية على المركبات المصنعة في الخارج وهي ممارسة يمكن من خلالها فرض رسوم جمركية متعددة على سلعة واحدة مستوردة.
كما أدت هذه الإجراءات التنفيذية إلى خفض الرسوم على قطع الغيار المستوردة المستخدمة في تصنيع السيارات الأمريكية، مما خفف العبء عن المنتجين المحليين الذين يعتمدون على سلاسل التوريد العالمية، يمثل قطاع السيارات جزءًا أساسيًا من التجارة الدولية، حيث تستورد الولايات المتحدة ما يقارب 150 مليار دولار من المركبات و130 مليار دولار من قطع الغيار سنويًا، مما يجعل هذه التغييرات في السياسات ذات أهمية خاصة لمعنويات السوق.
من الناحية الاقتصادية، تُشير هذه التعديلات إلى نهج أكثر دقة لحماية التجارة بدلاً من فرض قيود شاملة، ومن خلال استهداف جوانب محددة من واردات السيارات مع تخفيف القيود في جوانب أخرى، تُعطي هذه السياسات إشارة متباينة خففت من استجابة الذهب التقليدية كملاذ آمن.
إلى جانب سياسات السيارات، لا تزال مفاوضات التجارة الأوسع نطاقًا تؤثر على معنويات المستثمرين، وبالتالي على اتجاهات أسعار الذهب، وقد أظهرت المفاوضات الحالية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين الرئيسيين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي واليابان وفيتنام، تقدمًا تدريجيًا، مما ساهم في تهدئة مخاوف السوق مؤخرًا، يرتبط التقدم في هذه المفاوضات عمومًا بضغط مؤقت على أسعار الذهب مع تزايد الرغبة في المخاطرة.