«البطلة الجزائرية تنتصر بعد أزمة الفحص الجيني» .. القصة الكاملة لاعتذار رئيس الاتحاد العالمي للملاكمة لإيمان خليف

في لحظة وصفت بأنها استثنائية في تاريخ الرياضة العالمية، قدم رئيس الاتحاد العالمي للملاكمة "بوريس فان دير فورست"، اعتذارًا رسميًا إلى البطلة الجزائرية إيمان خليف، بعد أن تم الزج باسمها في الجدل المتعلق بسياسة الفحص الجيني الجديدة التي أعلن عنها الاتحاد مؤخرًا، وتأتي هذه الخطوة في أعقاب حملة واسعة من التضامن والدفاع عن اللاعبة التي أثبتت حضورها الذهبي في أولمبياد باريس 2024، رغم ما تعرضت له من استهداف وإقصاء في بطولات سابقة.
البداية إيمان خليف بين الذهب والجدل
إيمان خليف، التي خطفت أنظار الجماهير في أولمبياد باريس الصيفي بحصدها الميدالية الذهبية في منافسات الملاكمة للسيدات، لم يكن طريقها إلى التتويج مفروشًا بالورود، فقد سبق أن أُقصيت من بطولة العالم في 2023، بدعوى عدم اجتيازها اختبار أهلية الجنس، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا حول الشفافية والتمييز في معايير المشاركة.
ورغم الاستبعاد، بقيت خليف مصرة على إثبات حقها في المنافسة، معلنةً أنها لن تصمت أمام ما وصفته بـ"الظلم المنهجي"، وأنها ستعود أقوى مما كانت عليه، وفعلاً، عادت خليف إلى الحلبة بكل ثقة، لتنتزع الذهب في أكبر محفل رياضي، رافعةً راية الجزائر، ومرسخةً اسمها في الذاكرة الأولمبية.
قرار الاتحاد العالمي: فحص إلزامي يثير العاصفة
في نهاية شهر مايو 2025، أعلن الاتحاد العالمي للملاكمة عن تبني سياسة جديدة تقضي بإجراء فحوصات جينية إلزامية لكل الرياضيين المشاركين في المنافسات الدولية، اعتبارًا من الأول من يوليو، وذلك تحت مبرر ضمان "تكافؤ الفرص بين الجنسين" و"حماية سلامة المنافسين".
وخلال عرض السياسة الجديدة، أشار الاتحاد بشكل مباشر إلى حالة إيمان خليف، باعتبارها من أبرز الأمثلة التي دعت إلى هذه الخطوة، وهو ما أثار موجة غضب عارمة، سواء في الأوساط الجزائرية أو بين المنظمات الحقوقية والرياضية الدولية، التي رأت في ذلك خرقًا للخصوصية وتشهيرًا غير مبرر بالرياضية التي أثبتت نزاهتها وشرعية مشاركتها.
اعتذار رسمي ورسالة اعتراف بالخطأ
وفي تطور غير مسبوق، كشف الاتحاد الجزائري للملاكمة عن تلقيه رسالة رسمية من رئيس الاتحاد العالمي بوريس فان دير فورست، عبر فيها عن اعتذاره العلني لما وصفه بـ"الخطأ في التقدير" بشأن إيمان خليف. وقال بوريس في رسالته التي نشرتها وكالة أسوشيتد برس: "أود الاعتذار بشكل رسمي وصادق عما حدث، وأؤكد أنه كان يجب حماية خصوصية إيمان خليف".
وأضاف في نفس الرسالة: "أتمنى أن يؤكد هذا التواصل المباشر احترامنا الكامل لكم وللاعبيكم، وأن ما حدث لا يعكس نيتنا أو سياساتنا المستقبلية، بل هو نتيجة لضغط كبير نعمل على معالجته بشكل منصف وشامل".
أضواء الإعلام وعودة النقاش
الاعتذار أثار اهتمام الإعلام الدولي، خاصة بعد أن كانت خليف وزميلتها التايوانية لين يو تينغ قد تعرضتا للإقصاء في بطولة العالم 2023 بناءً على نفس المبررات، قبل أن تعود اللجنة الأولمبية الدولية لتسمح لهما بالمشاركة في أولمبياد باريس، وفقًا للوائح الأهلية الجنسية المعتمدة منذ نسخة طوكيو 2020.
وبينما تروج الرابطة الدولية للملاكمة لسياساتها الجديدة باعتبارها سعيًا لضمان العدالة والمساواة، يرى كثيرون أن الإجراءات الحالية قد تنتهك حقوق الرياضيين، خاصةً النساء، وتعرضهم للفحص القسري والتشهير العلني دون مسوغ طبي أو قانوني واضح.
خليف: الاعتذار لا يكفي وسأواصل الدفاع
بدورها، رحبت إيمان خليف بالاعتذار، لكنها أكدت أن الكرامة الرياضية لا تُشترى برسالة، وأنها ستواصل الدفاع عن حقها وحق جميع الرياضيات اللواتي قد يتعرضن لمواقف مشابهة، وقالت في تصريح صحفي: "أنا رياضية ولدت أنثى، عشت أنثى، وسأقاتل في الحلبة وأمام كل المنصات لأثبت أن الإنصاف لا يأتي إلا بالنضال".
وأضافت: "الاعتذار خطوة، لكنه لا يمحو الألم ولا ينهي المعركة، القضية أكبر من شخصي، إنها معركة جميع النساء اللواتي يتم التشكيك في هويتهن عندما يحققن التفوق".
سياسة تحت المجهر وضغوط متصاعدة
قرار الاتحاد العالمي للملاكمة جاء في ظل ضغوط متصاعدة من بعض الاتحادات الوطنية والرياضيين الذكور، الذين طالبوا بإعادة تقييم معايير الأهلية، بدعوى أن بعض الرياضيات قد يمتلكن مزايا بيولوجية "غير عادلة"، غير أن مختصين في الطب الرياضي والحقوقيين يرون أن هذه السياسات تفتقر إلى التعقّل، وتفتح الباب أمام تمييز ممنهج قد يضر بأعداد كبيرة من اللاعبات، خاصة من دول الجنوب العالمي.
وفي الوقت نفسه، يواجه الاتحاد الدولي تحديات أكبر في ظل سعيه إلى الحصول على اعتماد دائم من اللجنة الأولمبية الدولية بعد منحه الإشراف المؤقت على اللعبة حتى أولمبياد لوس أنجليس 2028، ما يضعه في موقف يتطلب التوازن بين التنظيم والعدالة وعدم التمييز.
انتصار الكرامة على السياسة
قصة إيمان خليف باتت اليوم مثالًا صارخًا على تقاطع الرياضة بالكرامة والعدالة، فقد استطاعت أن تحوّل أزمة الاستبعاد إلى منصة للانتصار، لا فقط في الحلبة بل أيضًا على طاولة المؤسسات الكبرى، ويمثل اعتذار الاتحاد العالمي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه يفتح في الوقت ذاته بابًا للنقاش العميق حول ممارسات الفحص الجيني وخصوصية الرياضيين، ومدى احترام الكيانات الرياضية للحدود الأخلاقية في سعيها لفرض ما تعتبره "عدالة تنافسية".
إيمان خليف لم تعد مجرد ملاكمة جزائرية، بل أيقونة لصوت المرأة في وجه التمييز، ورمزٌ عالمي يُذكّر بأن النصر لا يُقاس بالذهب فقط، بل بالثبات أمام الريح.
إيمان خليف، الاتحاد العالمي للملاكمة، الفحص الجيني، اعتذار رسمي، أولمبياد باريس 2024، الأهلية الجنسية، اللجنة الأولمبية الدولية، الملاكمة النسائية، الجزائر، حقوق الرياضيات، التمييز في الرياضة، فان دير فورست، بطولة العالم للملاكمة، سياسات الفحص الجنسي، لوس أنجليس 2028.