القائد اليمني الشهير شهيد يوم (التروية)

لقد كان فتح الاندلس في العام الثاني والتسعين للهجرة في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك . اعظم فتح اسلامي في تاريخ الفتوحات آن ذاك . ومعلوم ان اول قائد عربي اسلامي وطأت قدماه ارض الاندلس هو الفارس اليماني ( طريف بن مالك المعافري ) في العام الواحد والتسعين للهجرة ،بعد ان كلفه القائد الكبير موسى بن نصير بقيادة سرية استطلاع مكونة من 400مجاهد ، والعبور بهم الى ارض الاندلس لتقصي اخبارها قبل عبور الجيش الاسلامي اليها ، وهو ما كان ، ليكون بعدها بعام الفتح الاعظم للاندلس بقيادة القائد البطل طارق بن زياد تحت أشراف القائد موسى بن نصير والذي شارك بالفتوحات الى جانب طارق ، وبعد ثمان سنوات على فتح الاندلس وتحديدا في سنة مئة للهجرة ، تولى امر الخلافة في دمشق الخليفة العادل : عمر بن عبد العزيز الذي كان يتابع اخبار الاندلس ،فاختار لها واليا فذا هو القائد اليمني الشهير : ( السمح بن مالك الخولاني ) وسيره من الشام الى الاندلس مزودا بالنصائح والتوجيهات من الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز حفيد الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه . كان السمح بن مالك هو الوالي الرابع للاندلس منذ فتحها ، وهو اول والي للاندلس يتم تعيينه من دمشق عاصمة الخلافة مباشرة ، بعد ربط الاندلس بالشام بدلا من ربطها بشمال افريقيا كما كان من قبل ، وصل الى هناك فنشر الامن والامان ، وقسم الاندلس الى وحدات ( قرى ومدن واقاليم ) ، وانشاء المدارس والموانئ ، ومن ابرز اعماله ( قنطرة قرطبة العظيمة ) التي لا تزال آثارها باقية الى اليوم ، وبعد ان أطمأن على الاوضاع في الداخل ، تحرك السمح في اواخر شهر ذي القعدة عام 102هجرية وبهمة تناطح الجبال نحو جنوب فرنسا ، وانشا هناك حكومة اسلامية اسمها ( حكومة سبتمانية الاسلامية ) وواصل فتح المدن والمناطق في جنوب فرنسا ، مما جعل القادة هناك يستنجدون بالقائد الفرنسي الشهير ( شار مارتل ) والذي كان يعتبر الحاكم الفعلي للامبراطورية الفرنسية ، فامدهم بالعتاد الوفير والكثير من الرجال ، فتم محاصرة المسلمين في ( طولوشة) فدارت هناك معارك ضارية. وفي اليوم الثامن من شهر ذي الحجة ( يوم التروية ) وبينما كان حجاج بيت الله يصعدون الى منى وهي اولى محطات مناسك الحج كان الجيش الاسلامي بقيادة القائد اليمني البطل والي الاندلس / السمح بن مالك الخولاني يخوض المعارك في اولى محطات الفتح الاسلامي في جنوب فرنسا ، ..،، بعد اثنين وتسعين سنة على صعود محمد صل الله عليه وسلم مع اصحابه الى منى بمنطقة مكة المكرمة في حجة الوداع السنة العاشرة للهجرة وهم يلبون ويرفعون اكفهم بالدعاء ، كان اتباع محمد في مثل هذا اليوم من العام 102 للهجرة يكبرون ويخوضون القتال في جنوب فرنسا لنشر هذا الدين العظيم ، ولعل تكبيراتهم وصليل سيوفهم قد امتزجت في مشهد كوني بديع مع صوت التلبية لحجاج بيت الله والذين كانوا في منى في مثل هذا اليوم من عام 102 للهجرة ، كان من نتيجة هذه المعركة استشهاد القائد البطل السمح بن مالك مع مجموعة من جنده في يوم الثامن من ذي الحجة ( يوم التروية ) عام 102 هجرية . فبكته قرطبة ونعته قنطرتها ، وحزنت عليه الاندلس بالكامل وكان اول والي للاندلس وقائدا لجيوشها يستشهد في ارض المعركة . رحمهم الله جميعا ، اجتمع امر المسلمين في نفس الشهر على اختيار القائد اليمني الشجاع عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي . واليا خامسا للاندلس وقائدا لجيوشها ، وهو تابعي جليل روى عن الصحابي الزاهد عبد الله بن عمر ، لكن الغافقي لم يبقى في الولاية إلا شهرين فقط . ليخلفه الوالي السادس للاندلس القائد اليمني المجاهد عنبسة الكلبي ، الذي قاد جيوشه نحو جنوب فرنسا وشمالها وحتى وصل الى مدينة ( سانس ) والذي لا تبعد كثيرا عن باريس ، وهذا ما جعل ( شارل مرتل ) يفقد صوابه فجمع اربعمائة الف مقاتل وواجه جيش عنبسة ودارت معركة غير متكافئة استشهد فيها القائد اليمني عنبسة الكلبي مع بعض اصحابه في شعبان سنة 107 هجرية رحمهم الله جميعاً ، وقد بقي في الولاية اربع سنوات ونصف وكان ثاني والي للاندلس يستشهد في ارض المعركة بعد السمح بن مالك الخولاني ، وقد تعاقب على ولاية الاندلس بعد ( عنبسة ) ستة ولاة . وفي عام 112 هجرية اتفق اهل الاندلس وجيشها وتم تعيين القائد اليمني عبد الرحمن الغافقي مرة ثانية واليا للاندلس وقائدا لجيوشها .ويعتبر هو الوالي الثالث عشر للاندلس ، حشد الغافقي ما يقرب من خمسين الفا وتوجه الى جنوب فرنسا فاخضع جنوب فرنسا ووسطها ولم يبقى امامه غير مدينة ( بو اتيه ) فاصلة على طريق العاصمة باريس ، احست اوروبا بالخطر وراسل (البابا ) الى كل ملوكها واعلنها حرب ( ص ل ي ب يه ) حشدت اوربا جيشا يقدر بنصف مليون مقاتل بقيادة ( شارل مارتل ) ، كان الجيش الاسلامي يبعد عن عاصمة الاندلس ( قرطبة ) مسافة تقدر بالف كيلومتر ،وصل خبر الزحف الاوربي الى الغافقي ، فانسحب من بواتيه واختار مكانا خارجها ليكون ميدانا للمعركة ، تواجه الجيشان في اواخر شعبان عام 114للهجرة . خمسين الفاً يواجهون نصف مليون . استمرت المعركة عشرة ايام ، سبعة منها في شهر رمضان ، وفي اليوم العاشر من المعركة ركز العدو على موقع القائد الغافقي الذي اذهلهم بشجاعته ، وفي نهاية هذا اليوم والشمس تستعد للمغيب غاب بطلنا عن ساحة المعركة لكنه لم يغيب في وجدان الامة وتاريخها ، سقط الغافقي شهيدا وهو الذي كان مفتاح الجيش وثباته وقوته ، سقط شهيداً فانهار الجيش الاسلامي وكثر فيه القتل قبل ان يقرر الانسحاب ليلا بطريقة مخادعة ، ويعتبر الغافقي ثالث والي للاندلس يستشهد في ارض المعركة ، بعد السمح بن مالك وعنبسة الكلبي .. وهكذا كانت نتيجة هذه المعركة والتي سميت بعد ذلك بمعركة (بلاط الشهدا ) . رحم الله السمح بن مالك الخولاني ، رحمك الله ايها القائد البطل ورحم كل من استشهد معك ، سـلام الله عليك يا شهيد يوم التروية ، يصلك الى جنوب فرنسا حيث ترقد هناك مع اصحابك منذ 1344 سنة ، هانحن نتذكرك عشية يوم التروية من العام 1446وهو اليوم الذي استشهدت فيه قبل 1344 سنة ، ورغم مرور هذه المدة فما زال اسمكم يردد في كتب التاريخ الاسلامي والتاريخ الاوربي وخاصة التاريخ الفرنسي كعنوان للبطولة والتضحية ، وهذه مكافأة دنيوية وما عند الله اعظم من ذلك ، رحمك الله ايها القائد اليمني البارز عنبسة الكلبي وكل من استشهد معك ، رحمك ايها القائد اليمني البطل عبد الرحمن الغافقي ورحم الله كل من استشهد معك ، اسمكم يملاء الافاق ، لقد سطره التاريخ باحرف من نور . سلام الله عليك يصلك من بلادك اليمن، يصلك الى مرقدك في جنوب فرنسا حيث تلبث هناك منذ 1342 سنة ، لقد كان استشهادك في شهر رمضان اعظم الشهور عند الله ، وكان استشهاد السمح بن مالك الخولاني في الثامن من ذي الحجة افضل الايام عند الله ، ثلاثة من اعظم قادة الفتوحات الاسلامية يرقدون هناك تحت تراب جنوب فرنسا ، لقد عملوا للاسلام فرفعهم الله بالاسلام ولولا الاسلام ما سمع بهم احد ولما كانت اسمائهم وسيرتهم تُدرس في المدارس والجامعات والكليات العسكرية ، سـلام الله عليكم ايها القادة العظام يصلكم من بلادكم اليمن العظيم ، ولكن من فضلكم . لا تسالونا عن حال اليمن الآن . فلا نريد ان نكدر عليكم صفوكم ، وما انتم عليه من النعيم ، ولكن كونوا على ثقة ان غدنا سيكون افضل من يومنا بإذن الله ، فاليمن تمرض لكنها لا تموت ، مستمدين في ذلك العون من الله ، ومستلهمين العزم والارادة والاصرار من تاريخ مشرق انتم ابرز عناوينه ومن اعظم رجاله … حفظ الله اليمن ومكر بمن يمكر به.