دراسة جديدة تقرّب العلماء من ”اللغز الوراثي” للتوجه الجنسي
المثلية الجنسية .. هل هناك سبب علمي لها؟ إليك الإجابة

في عام 2011، غنت المغنية العالمية ليدي غاغا أغنيتها الشهيرة "Born This Way"، والتي أصبحت لاحقًا نشيدًا متكررًا في مسيرات المثليين حول العالم، حاملةً معها رسالة مؤداها أن المثلية الجنسية ليست خيارًا، بل حالة بيولوجية يولد بها الإنسان. واللافت أن هذه الرسالة حظيت بدعم علمي متزايد على مدار عقدين من البحث، خصوصًا في مجالي الوراثة وعلم التخلّق (Epigenetics). ومع ذلك، فإن "جينات المثلية الجنسية" ما تزال موضوعًا شائكًا.
بداية البحث.. وخيبة الأمل
في عام 1993، أعلن الباحث دين هامر عن اكتشافه جينًا محتملاً للمثلية الجنسية على الكروموسوم X، في الموقع Xq28. أثار هذا الاكتشاف حينها ضجة إعلامية وعلمية كبيرة. غير أن محاولات الفرق العلمية الأخرى لتكرار نتائج هامر لم تُكلّل بالنجاح، حتى بعد توسيع العينات لعشرات أضعاف الدراسة الأصلية، ما ألقى بظلال الشك على استنتاجاته.
كما بينت دراسات التوائم أن التوجه الجنسي لا يمكن اختزاله في الجينات فقط، فحتى في التوائم المتماثلة وراثيًا، لا تتجاوز نسبة تشابه التوجه الجنسي بينهما 50%.
علم التخلّق يدخل على الخط
تحول اهتمام العلماء تدريجيًا من البحث عن الجينات إلى دراسة "العلامات التخلّقية"، وهي تغيرات كيميائية في الجينوم تؤثر على نشاط الجينات دون تعديل تسلسلها. هذه العلامات تُعدّل "تشغيل" أو "إيقاف" الجينات وفقًا للبيئة، وقد تبقى ملازمة للفرد طوال حياته.
في دراسة مثيرة عُرضت ضمن فعاليات الجمعية الأمريكية لعلم الوراثة البشرية (ASHG) في ماريلاند، فحص الباحث تاك نجون أنماط مجموعات الميثيل – أحد أبرز أشكال العلامات التخلقية – لدى 47 زوجًا من التوائم الذكور المتطابقين، كان أحد كل زوج منهم مثليًا والآخر غيريًا.
نتائج مثيرة ودقة تصل إلى 70%
بمساعدة خوارزميات حاسوبية، توصل الفريق إلى خمسة مواقع جينية مرتبطة بالمثلية الجنسية من خلال وجود إضافات ميثيل فيها. من بين هذه الجينات، واحد مسؤول عن التوصيل العصبي، وآخر يضطلع بدور في الوظائف المناعية.
اختبر العلماء مدى دقة هذه المؤشرات من خلال تقسيم التوائم إلى مجموعتين: واحدة لاكتشاف العلاقة، والأخرى للتحقق من إمكانية التنبؤ بالتوجه الجنسي استنادًا إلى العلامات التخلقية. وكانت النتائج مفاجئة: دقة تصل إلى 70%. إلا أن الباحثين شددوا على أن هذه النتائج تقتصر على العينة المدروسة ولا يمكن تعميمها على جميع السكان.
فرضية التوريث التخلّقي
اقترح الباحث ويليام رايس في دراسة سابقة أن العلامات التخلّقية قد تُورث من الأم إلى الابن أو من الأب إلى الابنة، وتؤثر في حساسية الدماغ لهرمون التستوستيرون خلال الحمل، مما قد يؤدي إلى "تذكير" أو "تأنيث" بنية الدماغ، وبالتالي تحديد التوجه الجنسي للجنين.
إحدى الفرضيات المثيرة تقترح أن بيئة الرحم – من حيث موقع الجنين أو كمية الدم التي تصله – قد تحدد هذه التغيرات التخلقية، وهي متغيرات دقيقة لا تتضح حتى بين توائم متماثلين وراثيًا.
المثلية بين الوراثة والبيئة
رغم أهمية هذه النتائج، لا تزال المثلية الجنسية غير قابلة للتفسير الكامل بجين واحد أو حتى مجموعة من الجينات. وقد أكدت دراسات سابقة، مثل تلك التي أُجريت عام 2008، أن الجينات تسهم بالفعل في التوجه الجنسي، لكن بنسب متوسطة.
المفارقة هنا، أن بعض الجينات التي يُعتقد أنها ترتبط بالمثلية قد تمنح في المقابل مزايا تكاثرية لأفراد الأسرة من الجنس الآخر. ففي دراسة أُجريت عام 2009، أظهرت نتائج أن النساء اللواتي لديهن أقارب مثليون من جهة الأم كن أكثر خصوبة من غيرهن.
أبحاث على الحيوانات.. وسيناريوهات تكيفية
دراسات أخرى على الحيوانات رفضت فكرة أن السلوك المثلي يضعف النجاح التناسلي. بل إن هناك نظريات تفترض أنه سلوك تكيفي، يعتمد على النوع الحيواني نفسه.
حتى في البشر، أظهرت دراسات أن البيئة الهرمونية داخل الرحم، وتحديدًا تأثير التستوستيرون، يلعب دورًا كبيرًا في "برمجة" التوجه الجنسي والهوية الجندرية منذ المراحل الأولى لتكون الدماغ.
سمات جسدية مختلفة.. ولكن هل هي سبب أم نتيجة؟
وجدت بعض الدراسات أن هناك اختلافات في بنية الدماغ بين المثليين والمغايرين، كما أن الرجال المثليين يميلون إلى امتلاك عظام أطراف أقصر نسبيًا، ما يشير إلى تعرضهم لتأثيرات هرمونية مختلفة خلال النمو الجنيني.
لكن يظل الغموض قائمًا: هل هذه السمات تفسّر سبب المثلية؟ أم أنها ببساطة انعكاس لها؟ وما تزال الإجابة معلقة حتى الآن.
تحذيرات علمية
رغم الإثارة التي تثيرها مثل هذه الدراسات، يوصي الباحثون بعدم استخدام نتائجها لأغراض تحديد الميول الجنسية قبل الولادة أو محاولة تغييرها. يؤكد العلماء أن التلاعب بالتوجه الجنسي عبر تدخلات بيولوجية لا يزال مستحيلًا في الوقت الراهن، وربما سيبقى كذلك لسنوات طويلة قادمة.
المثلية الجنسية، الجينات والمثلية، علم التخلّق، التغيرات التخلقية، التوجه الجنسي، توائم متطابقين، كروموسوم X، هرمون التستوستيرون، دراسات المثلية، William Rice، Tuck Ngun، علم الوراثة البشرية، علامات الميثيل، دراسة ASHG، البيئة الهرمونية، هوية جنسية، الجينات الجنسية، المثليون في العلم، علم النفس الجيني، التوجهات البيولوجية