حرب الفُجّار!

على الرغم من محدودية الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران إلا أن ما يجري فيها من انتهاكات للمدن والمدنيين شيء لا يوصف، يمكن أن يتطور حد استعمال السلاح النووي كما هي التهديدات الأمريكية الإسرائيلية، وإنذار سكان طهران بإخلاء العاصمة على الفور!
الطرفان خلال العقود الأخيرة كانا أشد انتهاكاً لحقوق الإنسان والمدنيين على وجه الخصوص، وتدمير المدن بشكل كامل، كما تفعل إسرائيل في غزة وجنوب لبنان، وكما فعلت إيران ومليشياتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن دون كوابح، يمكن أن يطلق على حرب وصراع الدولتين اللدودتين بـ"حرب الفُجّار"!
هناك حرب تاريخية عربية سميت بهذا الإسم قديماً في الجاهلية (حرب الفجار)، والتي دارت بين قبيلة كنانة (ومنها قريش) وبين قبائل قيس عيلان (ومنهم هوازن وغطفان وسليم وثقيف ومحارب وعدوان وفهم)، ومع أن دماءها كانت قليلة وأفعالها محدودة، إلا أنها باتت تعرف في تاريخ العرب بـ"حرب الفجار"؛ لأن العرب خرقوا فيها بعض الأعراف والقواعد والعادات المتعارف عليها في الأشهر الحرم، وما جرى فيها من بعض الغدر والانتهاكات!
تتصارع الدولتان في الواقع على الاستفراد بنفوذ المنطقة من ناحية ومنع إيران من الحصول على البرنامج النووي من ناحية أخرى، إلا أن البلاد العربية كانت ميدان التصفية والصراع.
يقف العرب بين عدوين لدودين لا يرحمان ولا تحكمهما قواعد أخلاقية للحرب؛ فإسرائيل تريد أن تفني الشعب الغزاوي وتحتل أرضهم وديارهم، وقبل هذا وذاك قامت دولتها على جماجم العرب الفلسطينيين وجيرانهم، وهو العدو الأول للعرب كشعوب وبعض الدول التي لم تطبع معها؛ وهي أيضاً معروفة بالغدر والأطماع التي لا تقف عند حد، ناهيك عن أنها تمس عقيدة وكرامة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم في مقدساتهم وثالث حرمهم، ولذلك تسعى بشتى الوسائل لتحقيق هدف استراتيجي وأولى أولوياتها وهو تأمين ذاتها وكيانها من الاستهداف، عبر وسيلتين اثنتين: امتلاك كافة أنواع الأسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل لتحقيق هذا التأمين ووسائل الردع، ومنع كافة الدول العربية والإسلامية المحيطة من امتلاك هذا السلاح.
أما الوسيلة الثانية فتتمثل في التطبيع مع المحيط لتأمين نفسها أيضاً، وهو تطبيع لن يكون أزلياً بطبيعة الحال مهما تم توثيقه أو تجميله أو فرضه بالقوة، بل ريثما تحقق العلو الكبير وتكون صاحبة الكلمة الأولى في الشرق الأوسط ومن ثم التوسع لتحقيق غايتها الكبرى: الحكم من الفرات إلى النيل، وهو ما لن يتحقق مع وجود المقاومة والمشاغلة من الجيران، ومع كل ذلك تشعر أنها كيان غريب لا بد يوماً ما أن ينتهي ويرحل من حيث أتى؛ فسكان إسرائيل أساساً هم لقطاء مجمعون من أنحاء العالم ولم تكن لهم حقوق ولا حدود ولا جذور ولا هوية في المنطقة.
بينما العدو الثاني هو عدو ماكر وغادر يطمح لذات الأسباب، وأن يعيد نفسه كياناً امبراطورياً في المنطقة كما كان سابقاً، وهو لا يخفي ذلك أبداً في أدبياته ولا في تصرفه ونهجه.
يشعر العرب والمسلمون أن هذا العدو الأخير ربما كان الأسوأ من سابقيه لعدة أسباب، منها:
- الطموح الامبراطوري القديم
-الحقد والثأر التاريخي من العرب والمسلمين وهو يصفهم باليزيديين ويستدعي الثارات التاريخية ويدعي امتلاك الحقيقة وأنه نائب عن الله في الأرض من خلال ادعائه الحق الإلهي، ولكونه مرجعية طائفية يمثل جناح الشيعة في العالم الإسلامي استخدم هذه الوسيلة لتفتيت الشعوب والتآمر على الدول والحكومات حتى قتل ملايين المسلمين وشرد أضعافهم من بلدانهم ودمر بلدانهم واحتل أراضيهم، ولأجل هذه الغاية يستخدم كل وسيلة قذرة ربما كانت وسائله أقذر وأشد ضرراً من العدو الصهيوني الطارئ.
فالعدو الصهيوني عدو طارئ لكونه كيان مزروع في جسد طاهر يرفض استنباته كونه بلا جذور ولا هوية ولا أخلاق، لكن العدو الفارسي أكثر خطراً لكونه صاحب أرض ووجود منذ آلاف السنين، ومع أنه ظاهرياً مسلماً إلا أن محركه العصبية الفارسية.
يشترك الفاجران المتصارعان في أهم وسيلة وغاية وهي أن كليهما يدعي الحق الإلهي، والسلالة المطهرة التي يريدان تسويقهما في الشعوب ويستخدمانها لقتلنا وتدميرنا بلداننا؛ فاليهود يقولون: إنهم شعب الله المختار وبقية الشعوب خدم وتوابع لهم بل أغيار يجب إفناءهم واحتلال أراضيهم وأخذ أموالهم.
والملالي الشيعة يقولون: إنهم أصحاب الحق الإلهي وأنهم من سلالة مقدسة من بيت النبي، مع أنهم يرفعون الأجندة الفارسية وطموحهم إعادة الإمبراطورية الفارسية.
ولئن كان اليهود يريدون تأمين كيانهم والبلاد التي احتلوها، وإن طبعوا مع العرب والمحيط فقد ينكفئون على أنفسهم ولا يصل خطرهم للبلاد البعيدة كبلادنا مثلاً.
بينما ملالي طهران ومن ورائهم الشيعة عموماً وصل خبثهم وخطرهم إلى كل بيت مسلم وعربي ويمني بإحداثهم انشقاقات وتصدعات حتى داخل البيت الواحد بسبب الطائفية وتلبس الدين الذي يقيد المسلمين من مواجهتهم باعتبارهم مسلمين لا يجوز قتالهم، بينما هم لا يقيمون لهذه الموازين اعتباراً؛ فيستحلون دماءنا وأموالنا وأرضنا وحتى ديننا وثقافتنا وكلامنا، وكل شيء.
كما أن من بين الصفات المشتركة بينهم وبين اليهود علينا أن الطرفين يقولان: "ليس علينا في الأميين سبيل" في نهب أموالنا واحتلال ديارنا، ولذلك فحروبهم حروب الفجار، وهم أهم شرين على المنطقة عموماً.