الولاية عند الشيعة وحديث خم أكبر تزوير في التاريخ (الحلقة الخامسة)

من الملفت تماماً أن راوي حديث عرفة (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً.. كتاب الله)، وحديث خم بمعظم أو كل صيغه وألفاظه والنقص فيه أو الزيادة عليه أو التقديم والتأخير هو نفسه زيد بن أرقم - رضي الله عنه-، وعليه فكيف تكون الروايات مضطربة إلى هذا الحد إلا أن يكون قد أدخل في الحديث ما ليس فيه في أزمنة متعددة، وأن النقل عنه لم يكن دقيقاً؟!
وقد كان زيد بن أرقم من أصحاب علي وشهد معه صفين، صحيح أننا لا نقدح في عدالة وأمانة الصحابي الجليل، ولكن قد يعتري حديثه معه هذه الزيادة أو النقصان أو استدراك بعض الألفاظ فيه؛ لأنه ذكر للناس حديث خم وهم في آخر أيامه وقد شاخ، وهذا ندركه من خلال سياق الحادثة والحديث.
يقول يزيد بن حيان: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه، قال له حصين: لقد لقيتَ يا زيد خيرًا كثيرًا، رأيت رسول الله، وسمعت حديثه، وغزوت معه وصليت خلفه، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله.
قال: يا ابن أخي، والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي عن رسول الله، فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله يومًا فينا خطيبًا بماء يُدعى خمًا بين مكة والمدينة، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: "أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به"، فحثَّ على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: "وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي".
فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته مَنْ حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.
وفي هذه الرواية لم يذكر أبداً: "من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه"!
وانظروا إلى قوله - رضي الله عنه-: "لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي عن رسول الله، فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه"، فهذا دليل وقرينة لا تغفل في البحث عند الباحثين عن اضطراب هذا الحديث أو الزيادة والنقص فيه. وكذلك قوله: " فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحثَّ على كتاب الله ورغب فيه"، فهذا يعني أنه لم ينقل كل ما سمعه عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ذات الحديث وإنما اختصره وعطف عليه أهل بيته، ولا توجد أدنى إشارة لولاية علي فيه أو تفضيله على غيره.
وقد تحدث كثير من الفقهاء قديماً وحديثاً حول المآخذ عن هذا الحديث الذي رواه الترمذي (3713) وابن ماجه (121)، وقد اختُلِفَ في صحته َقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ1/189 "وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ كَثُرَتْ رُوَاتُهُ وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كحَدِيثِ " مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فِعْلِيٌّ مَوْلاهُ "، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما قوله من كنت مولاه فعلي مولاه فليس هو في الصحاح، لكن هو مما رواه العلماء وتنازع الناس في صحته؛ فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث انهم طعنوا فيه... وأما الزيادة وهي قوله اللهم وال من والاه وعاد من عاداه الخ فلا ريب انه كذب" (منهاج السنة 7/319). وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: "وَأَمَّا حَدِيثُ: مَنْ كُنْت مَوْلاهُ فَلَهُ طُرُقٌ جَيِّدَةٌ". وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1750 وناقش من قال بضعفه.
ومهما يكن من أمر هذا الحديث فليس فيه أية إشارة للاستخلاف، بل جبر خاطر من تقول بعض الصحابة على علي؛ فقد أثنى النبي –صلى الله عليه وسلم- على كثير من الصحابة كل بما يستحقه، فقال عن أبي عبيدة "امين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"، وقال عن عمر الكثير من الأحاديث، ومنها: "إيهًا يا ابنَ الخَطَّابِ، والَّذي نَفسي بيَدِه ما لَقِيَكَ الشَّيطانُ سالِكًا فجًّا قَطُّ إلَّا سَلَكَ فجًّا غَيرَ فَجِّكَ"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لقَد كانَ فيمَن كانَ قَبلَكم من بَنِي إسرائيَل رِجالٌ يُكلَّمونَ من غَيرِ أن يَكونوا أنبياءَ، فإن يَكُن من أمَّتي مِنهم أحَدٌ فعُمَرُ". وقال عن عبدالله بن أم مكتوم: "لو كنت مولياً هذا الأمر أحداً من بعدي لوليت بن أم عبد"، وقد كان ويليه على المدينة في بعض غزواته.
أما الأحاديث التي قالها في حق أبي بكر فلو كان نصفها قيل في علي لما سكتت الشيعة مطلقاً، واتخذت لكل حديث منها مناسبة. وقبل ذلك القرآن الكريم، قال تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] .
قال ابنُ عَطِيَّةَ: "هَذِه الآيةُ مُنَوِّهةٌ بأبي بَكرٍ حاكِمةٌ بقَدَمِه وسابِقَتِه في الإسلامِ رَضِيَ اللهُ عنه".
وقال صلى الله عليه وسلم: " إنَّ مِن أمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ ومالِهِ أبا بَكْرٍ، ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِن أُمَّتي لاتَّخَذْتُ أبا بَكْرٍ، إلَّا خُلَّةَ الإسْلامِ، لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إلَّا خَوْخَةُ أبِي بَكْر".
وقد كان يلوم أصحابه الذين يتحدثون في أبي بكر وعمر وعلي وعثمان، فقال –صلى الله عليه وسلم: "هلْ أنتُمْ تَارِكُونَ لي صَاحِبِي، إنِّي قُلتُ: يا أيُّها النَّاسُ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ جَمِيعًا، فَقُلتُمْ: كَذَبْتَ، وقالَ أبو بَكْرٍ: صَدَقْتَ، قالَ أبو عبدِ اللَّهِ: غَامَرَ: سَبَقَ بالخَيْرِ".
...يتبع