“ولاية الكهنوت الحوثي” أكذوبة سلالية لتكريس العبودية واستعباد اليمنيين.

في زمن لا يُفترض فيه أن يعود التاريخ إلى الوراء، يقف اليمنيون اليوم في مواجهة مشروع رجعي، طائفي، عنصري، يتدثّر بعباءة الدين ويستدعي خرافة أكل عليها الدهر وشرب: “الولاية”. لكنها ليست ولاية دينية ولا شرعية ولا حتى أخلاقية. إنها باختصار، ولاية الكهنوت السلالي الحوثي الأكذوبة الكبرى التي أعاد تدويرها الحوثيون لتسويق أنفسهم كأوصياء على اليمنيين باسم الله، زورًا وبهتانًا.
الحوثيون لم يأتوا بجديد. إنهم أعادوا إنتاج أسوأ نماذج الاستبداد الديني والعرقي، وألبسوها ثوبًا مقدسًا زائفًا، ليفرضوا على اليمنيين عبودية من نوع جديد، عبودية باسم “السلالة” و”النسب” و”الحق الإلهي”. وما يسمى بـ”يوم الولاية” ليس سوى طقس طائفي غريب، دخيل على اليمن وتاريخه ودينه، يُراد له أن يكون بوابة لاستعباد الناس وتكريس حكم فردي مطلق، مغلّف بخرافة لا أصل لها في القرآن، ولا في السنة، ولا في أي منطق إنساني سوي. ما يدّعيه الحوثي من أن له “الولاية” على الناس لأنه ينتمي إلى سلالة “مقدسة”، ليس سوى هرطقة سلالية وقحة، يُراد منها تحويل اليمن إلى إقطاعية دينية، يُقسَّم فيها الناس إلى “سادة وعبيد”، إلى “أولياء وأتباع”، إلى “مختارين ومُساقين”. هذه ليست سياسة ولا شرعًا، إنها جريمة أخلاقية وإنسانية وتاريخية، يجب أن تُجابه بكل الوسائل. الحوثي لا يحكم باسم دستور، ولا قانون، ولا إرادة شعب، بل يحكم باسم “الحق الإلهي” المزعوم، في عودة كارثية إلى عصور “الأسياد والرعايا”، وكأن الثورة اليمنية لم تقم، وكأن الجمهورية لم تولد، وكأن ملايين التضحيات التي سُفكت في سبيل الحرية والمساواة قد ذهبت سدى. إنهم يعيدون اليمن إلى عصور الظلام، إلى زمن الإمامة والعبودية، حيث الشعب مجرد “رعايا”، والسلطة حكر على “سلالة مقدسة” ملفقة. يتحدث الحوثي عن “الولاية” وكأنها أمر إلهي مقدس، بينما هي ليست سوى غطاء قذر لمشروع استبدادي قائم على احتقار اليمنيين وتصنيفهم إلى سادة وعبيد، إلى هاشمي يحكم ويتسلط، ويمني يُساق كالقطيع، محروم من قراره وحقه ودولته وحياته. الجمهورية اليمنية لم تقم إلا لهدم هذه الأوهام الكهنوتية. قامت الجمهورية لتقول: لا للسيد والعبد، لا للحكم بالحق الإلهي المزعوم، لا لتوريث السلطة باسم النسب والدين. واليوم، المعركة الحقيقية لليمنيين ليست فقط ضد انقلاب عسكري، بل ضد مشروع طائفي سلالي يريد أن يقسم الناس حسب أنسابهم، لا كفاءاتهم. المعركة اليوم لم تعد مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل معركة وجودية وهوياتية، معركة اليمنيين ضد مشروع طائفي يُعيد تقسيم البشر حسب الأنساب لا حسب الكفاءات، يُجرّف الدولة، ويطمس مفهوم المواطنة، ويُقيم بدله سلطة ثيوقراطية متعصبة، تحكم الناس وكأنهم قطيع، وتُوزع عليهم الفُتات مقابل الطاعة العمياء. “عيد الغدير” و”يوم الولاية” ليستا إلا أدوات سياسية خبيثة، تُستخدم لشيطنة الصحابة، وتحريف التاريخ، وتخدير العقول. ليس الهدف منها إحياء سُنّة أو تذكير بفضيلة، بل تمرير خرافة ولاية الفقيه الإيرانية بنسختها الحوثية اليمنية، لتثبيت حكم السلالة واستعباد ما تبقى من روح في جسد هذا الوطن المنهك. النبي محمد ﷺ لم يُوصِ لأحد بالخلافة بعده، بل ترك الأمر شورى، وهذا أصلٌ في الإسلام لا جدال فيه. فاختار الصحابة أبا بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، دون نص إلهي، ودون حديث موثق يفيد بعهد أو وصية. فمِن أين جاء الحوثي بـ”الولاية الإلهية” ؟ لا من قرآن، ولا من سنة، ولا من إجماع، بل من خرافات نسجتها السياسة الطائفية والمصالح الإيرانية. ادعاء “الولاية الإلهية” ليس فقط مخالفًا لنصوص الدين، بل هو افتراء على الله ورسوله، يُستخدم لتقديس الحاكم وتأليه القيادة، وتمييع الدين في أتون السياسة والمصالح. الولاية الحقيقية هي للشعب. الحاكم يُنتخب، لا يُولد. يُحاسب، لا يُقدّس. يخطئ ويُعزل، لا يُتّبع كظلٍ من ظلال الله على الأرض. ونحن حين نرفض الولاية الحوثية، لا نرفض الدين، بل ندافع عنه من هذا التحريف الخبيث الذي يضرب جوهره في الصميم. الولاية الحوثية، بقدر ما هي خرافة، بقدر ما هي خطرٌ داهم على كل ما نؤمن به من قيم: الحرية، العدالة، المساواة، الدولة، القانون. ولذا فإن رفضها ليس خيارًا بل واجب وطني، وإنساني، وديني. رفضها هو دفاع عن هوية اليمن، عن جمهوريته، عن كرامته، عن شعبه. هذه الولاية لا تمثل الإسلام، ولا تمثل النبي، ولا تمثل اليمن. إنها مجرد كذبة طائفية عنصرية، غايتها الوحيدة هي استعباد شعب كامل باسم نسبٍ مزعوم، وتخدير العقول بخطاب “الحق الإلهي” الذي لم يأت به كتاب، ولا أي نبي. يوم الولاية ليس مناسبة دينية بل مناسبة عنصرية، تحوّلت إلى أداة استعمار داخلي، بها تُسفك الدماء، وتُقسم البلاد، ويُمنح الحاكم حصانة إلهية كاذبة ليفعل ما يشاء دون حساب. إنها خرافة دخيلة على اليمن، لا علاقة لها بالإسلام، ولا بتاريخ اليمنيين، بل بصفقات الهيمنة الفارسية عبر وكلاء الطائفية. نحن حين نرفض هذه الخرافة، لا نرفض الدين، بل ندافع عن حقيقته. نرفض الولاية لأننا نؤمن بكرامتنا، نؤمن بحقنا في اختيار من يحكمنا، نؤمن أن الحكم مسؤولية، لا وراثة. نرفض أن يُختزل شعب بأكمله في عبودية لفئة تتكلم باسم الله، وتسرق باسمه، وتقتل باسمه. فليسقط وهم “الولاية”، ولتسقط معه كل المشاريع السلالية التي تريد تحويل اليمنيين إلى أتباع صامتين، في وطن تحوّل إلى إقطاعية طائفية. سيبقى اليمن جمهوريًا، حرًا، تتداول فيه السلطة لا تُورّث، يحكمه القانون لا النسب، وتصنع مستقبله إرادة أبنائه لا خرافة “الوصي المقدس”.وإننا نعلنها بلا مواربة: لا ولاية إلا للشعب، ولا سادة في أرض الأحرار.