حقائق من الحرب الإسرائيلية الإيرانية

هناك حقائق يجب أن تكون ماثلة أمام كل من يتابع الأحداث أو منفعل بها:
1- المعارضات السياسية ترفع شعارات مبدئية فيما يتعلق بالقضايا المحلية أم الإقليمية والدولية.. فإذا وصلت للسلطة وجدت نفسها أمام جملة من المسؤوليات تسقط معها كل الشعارات القديمة التي كانت تدغدغ بها عواطف الجماهير.. ثم وجدت نفسها أمام واقع مختلف تمامًا عن حالها خارج السلطة والمسؤولية.
مثال قريب من الجميع... لو سألت أي متحمس لأحداث غزة، ماذا ستفعل لو كنت رئيسًا عربيًا؟ سيجيب مباشرة سأحرك الجيش استجابة لداعي الجهاااد والأخوة.. لكنه بمجرد أن يكون رئيسًا، لن يصدر أي قرار في هذا الشأن دون النظر إلى مآلاته السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها.. وسيعمل لتدمير بلده ألف حساب.. وليس أدل على هذا من موقف من كان البعض يسميه بالخليفة (أردوغان) مع كارثة العدوان على غزة.
2- إسرائيل ليست دولة تمتلك شعبًا يمكن أن يصمد في أرضه سنوات أثناء حرب حقيقية.. إسرائيل مجرد معسكر متقدم للغرب على شكل دولة يمكن أن يخلو من مواطنيه في أي وقت، ولذلك لن يحتمل أبدًا ضربات متتالية أو حربًا متماثلة القوة أو حتى مؤذية له.. فيعمد إلى استخدام القوة المفرطة التي يمتلكها لإخماد وتحييد القوة التي تؤذيه أولًا، وإرسال رسالة لبقية الدول المحيطة بأن عواصمكم ودولكم مكشوفة تحت طائلة أسلحتنا. مما يوفر للكيان وضعية ردع مخيفة للجيمع، وإذا تعرضت دولة الكيان لحرب حقيقية فإنها ستخلو من المواطنين وإمكان غزوها يصبح سهلًا ولن يستطيع الكيان سوى الذهاب إلى فتح النار المدمرة على المهاجمين في ديارهم بجنون، على مبدأ (علي وعلى أعدائي).
3- الحرب الإسرائيلية الإيرانية كانت حربًا مع كيانين يشبهان بعضهما كثيرًا (كيانان عنصريان، يرتكزان على مفهوم عنصري ديني كهنوتي، مع تفوق إيراني في القمع العنصري لشعبه) مع توفر تفوق تكنلوجي وعسكري وتسليحي للكيان الإسرائيلي المحتل، وكان في الإمكان أن يتوغل في الإضرار بإيران بشكل أكثر تدميرًا وعنفًا، بما تمتلكه من إمكانات معلوماتية واختراق كبير في النظام الإيراني، لا سيما إن تدخلت أمريكا عسكريًا جوًا وبرًا وحشدت القوات المناهضة لإيران والمضطهدة من نظامها لتغييره. ولو أن إسرائيل تركت وحدها دون تدخل أمريكي لما استطاعت إسرائيل الصمود طويلًا في حرب استنزاف تتوقف معها الحياة العامة بشكل مطلق.. سيهاجر الشعب ويعود من حيث أتى من الشرق والغرب.. بينما قدرة النظام الإيراني على الصمود أكبر بكثير، نتيجة لأن طبيعة النظام الإيراني مختلف تمامًا فهو نظام يحكم شبعًا ابن أرضه وليس شعبا مجلوبًا من الشرق والغرب.
4- أدارت السعودية علاقاتها مع كافة الأطراف بذكاء ودهاء كبير، أدانت وقادت حملات دبلوماسية ضد العدوان على غزة، وفتحت مجالات للعلاقات مع إيران، وحيدت كافة الأطراف من أن تجلب الرياض إلى صفها، وجنبت نفسها الصراع تمامًا، إضافة إلى إداناتها الهجوم الإسرائيلي على إيران.. وهذه الإدارة تصلح لأن تكون قاعدة عربية لإطلاق مشروع عربي مستقل عن الأطراف المتصارعة في المنطقة مع الاحتفاظ برفض الاحتلال الصهيوني لفلسطين، دون إعلان حرب أو صدام، ولملمة الصف العربي في مشروع جامع سياسيا وعسكريا واقتصاديا وتنمويًا.
5- عرف المواطن العربي وكل المتحمسين أن خوض حرب مع كل هذا الكم من التسليح والتكنلوجيا لا يمكن أن يحقق نصرًا بالعاطفة الجياشة والحماس المفرط، بل يجب أن يبدأ بمشروع تنموي عميق وضخم حتى يتحصن العرب بترسانة ردع قوية من التسليح والتنمية والوعي.
6- سقطت شعارات إيران ومحورها في أنها القوة الأولى في المنطقة أن إيران تخوض حربًا لأجل القدس وفلسطين، وأنها قادرة على محو إسرائيل من الخريطة (كما صرح المرشد الأعلى)، وتبدّت الحقيقة أن إسرائيل كانت على وشك محو نظام الولي الفقيه من الخريطة لولا أن الغرب وأمريكا لا تزالان بحاجة إليه مدة من الزمن لضرب استقرار المنطقة بالفتن الطائفية وتصدير الثورة.
7- كما سقطت شعارات الغرب وأمريكا التي ابتزت بها المجتمعات والأنظمة العربية عقودًا من الزمن كالحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها، حين أعلنوا في نهاية المطاف تجاهلهم لكل ما يعانيه الشعب الفلسطيني في غزة، ودعمهم الكامل العسكري والاقتصادي والسياسية لعمليات الإبادة الجماعية التي ترتكبها ألوية الجيش الإسرائيلي وطيرانه في غزة، وقبلها موقفهم من الإبادات والقمع والتصفيات الطائفية التي يرتكبها النظام الإيراني وذيوله ومليشياته في عدة دول.. بل وتحالفوا معه وسلموه دولًا وعواصم وتواطئوا مع ذيوله وحموها في كل مكان.
لم يحركوا ساكنًا لمعاناة الشعوب ولا للقمع ولا لأجل الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان بل لأجل إسرائيل والقضاء على محاولات امتلاك السلاح النووي..
8- بات مفهومًا اليوم توجهات الدول، وحقيقة الشعارات المرفوعة وبات المواطن العربي يعرف الحقيقة جلية ماثلة أمامه، لكن المعرفة أثمانها غالية من حياته واستقراره ومعيشته ومستقله، وبات علينا جميعًا نخبًا وسياسيين، وأحزابًا ومواطنين حكامًا ومحكومين، أن نبحث عن صيغة لمشروع استراتيجي تنموي شامل، وعلينا أن نردم كافة الفجوات التي صنعتها شعارات السياسي الغربي وتسلل بها عبر ممثليه إلى مجتمعاتنا وأحزابنا ونخبنا.. ونصنع لأنفسنا مشروعًا خاصًا ينطلق من حاجاتنا لا من مطالبهم، وحاجاتهم.