حين يموت ‘‘الحياد’’.. رحيل وزير الدفاع الذي خذل الجمهورية

في موت محمد ناصر أحمد، وزير الدفاع الأسبق، لا ينكسر فقط جسدٌ أثقلته السنوات والمنفى، بل تتساقط معه أقنعة مرحلة كاملة من التواطؤ، والخذلان، و"الحياد المميت". الرجل الذي وقف ذات يوم على حافة التاريخ، واختار أن يلوح له من بعيد، مكتفيا بمقولة صارت لعنة في ذاكرة اليمنيين: "نحن على مسافة واحدة من جميع الأطراف"… وكأن الوطن طرف، والدم اليمني وجهة نظر!
مصادر غير مؤكدة نشرت أن الرجل مات في أبوظبي، إذ عاش لاجئا سياسيا أم تاجرا في ظلال الذاكرة الوطنية المثقوبة؟ لا فرق.
فالجغرافيا ليست منفى القلوب، بل الضمير هو المنفى الحقيقي، ومحمد ناصر أحمد عاش طويلا في منفى الضمير. لم يُقتل، لم يُحاكم، لم يُساءل، بل تقاعد بين نخل الخليج، بينما كانت الجمهورية تنهار في صنعاء كجدار طيني هش، لا يرفعه "الحياد" بل يسحقه الصمت.
طبعا يتساءل البعض اليوم: هل كان خائنا؟ أم مجرد ترس في ماكينة فساد أكبر؟
لكن الحقيقة أن التواطؤ لا يحتاج لتعريف قانوني.
بمعنى أدق فإن الخيانة أحيانا ترتكب بصمت، بالابتسام في وجه العاصفة، بالجلوس في مقاعد المتفرجين بينما تُغتصب العاصمة، وتُسحق كرامة الجيش، وتُختطف الدولة على مرأى ومسمع من جنرال كان يُفترض أن يكون حصنها لا بوابتها الخلفية.
على إن رحيله اليوم ليس حدثا بيولوجيا فقط، بل رمزيا بامتياز. لأنه بموته، ندفن ذلك السؤال الذي يلاحقنا منذ 2014: من الذي سلم الجمهورية؟ من باع الدماء في بازار السياسة؟ من قال للقاتل: "ادخل، لن نقاوم"؟
قد يرى فيه البعض "كبش فداء"، وربما هو كذلك. لكنه لم يكن بلا حول. لم يكن موظفًا صغيرًا، بل وزير دفاع، قائد جيش، صاحب قرار. وكان عليه أن يختار. وقد اختار… الصمت.
واليوم، لا نشمت، ولكننا لا ننسى.
نم إن شئتم، أيها الجنرال، فالتاريخ لا ينام.
والتاريخ، كما الوطن، لا يرحم "الحياديين" في لحظة موت الحقيقة.
بمعنى آخر إنها نهاية رجل... كان يجب أن يكون بطلا، فاكتفى بأن يكون حارس البوابة لمن سرقوا الحلم.!