المشهد اليمني

في زمن السقوط… الكبار لا يشمتون!

الخميس 17 يوليو 2025 08:07 مـ 22 محرّم 1447 هـ

الشماتة السياسية ليست ظاهرة جديدة، لكن وسائل التواصل منحتها ميكروفوناً عالمياً. ما إن تقع كارثة في بلدٍ ما، أو تهتز عاصمة بفعل قصف أو زلزال أو سقوط نظام سياسي حتى تتسابق أصوات التشفي والشماتة ونبش الجراح ، وسكب الملح على الأنين. في هذه اللحظة، لا يُنظر إلى الإنسان كإنسان، بل كـ”آخر” يستحق ما أصابه. تتصدر وسمًا ساخرًا، صورة مشوهة، أو نكتة مرّة عن وطن يئنّ. هنا تُلغى الكرامة من حسابات الناس، ويُعفى الضمير مؤقتاً بحجة الخلاف السياسي أو الطائفي او العقائدي أو التاريخي.

في المقابل، يمكن النظر إلى التجربة السعودية كمثال ناضج في التعامل مع الخصوم في زمن الضعف.

في تاريخ السعوديين، لا تجد هذا اللون الرخيص من التشفي، حتى في أكثر اللحظات حساسية. نادراً ما يشمت السعوديون في خصومهم. اقرب فرصة للتشفي كانت بالإيرانيين، عند ما استهدفتهم الهجمات الاسرائيلية والأمريكية. لم يطلق السعوديون عقيرتهم ولا أقلامهم للشماتة بالملالي ، رغم العقود الطويلة من العداء والاستفزازات والتهديدات. بل الصحيح انهم تضامنوا معهم في وجه العدوان الصهيوني.

وبالتأكيد انهم تاريخياً لم يشمتوا في محمد علي الذي هزمته اوربا و قيّدته بمعاهدة لندن عام 1840 التي حددت حجم وعدد جيشه وفرضت عليه الانسحاب من الأناضول وسوريا والمشرق العربي رغم انه تسبب في سقوط الدولة السعودية مرتين .

بل انهم لم يشمتوا حتى في جمال عبد الناصر الذي ناصبهم العداء . وهاجم بلادهم، وضرب بطائراته مناطق الجنوب السعودي، وحاصرهم إعلامياً في كل منبر. وهدّد باسقاط النظام السياسي في الرياض . فعندما هُزم عبد الناصر هزيمة ساحقة في 1967 لم تخرج من السعودية قهقهة شماتة. بل على العكس، بادر الملك فيصل – رغم الجراح – بتقديم 50 مليون دولار في مؤتمر الخرطوم دعماً لمصر لتجاوز آثار الهزيمة. لأن الأخلاق في السياسة عند الكبار، لا تُقاس بكمية المشاعر السلبية ، بل بميزان المسؤولية والتاريخ.

الشماتة ليست دوماً بلا وعي؛ أحياناً تكون محسوبة. تنطلق من دوافع متعددة: الإحساس بالتفوق، تصفية حسابات الماضي، النكاية، الانتصار الأيديولوجي، أو حتى الحاجة النفسية للانتصار ولو رمزياً. بعض الأنظمة تستثمر الشماتة لتحويل أنظار شعوبها عن أزماتها، وبعض الأفراد يجدون فيها تعويضاً عن شعورهم بالدونية أو الضعف. الشماتة أيضاً أداة في الحرب الباردة بين الشعوب، ووسيلة للتجييش الإعلامي، وتبرير للسياسات العدائية.

الشماتة ليست انتصاراً، بل سقوط أخلاقي في معركة كان يمكن أن تكون فرصة للتعاطف، أو على الأقل، الصمت النبيل. الشعوب التي تصنع مجدها لا تفرح بمآسي الآخرين، بل تتألم بصمت، وتتعلم بهدوء، وتدرك أن القوة الحقيقية لا تحتاج إلى التشفي، بل إلى الارتفاع فوق الضغائن.

في النهاية، الشماتة ليست رأياً سياسياً… إنها عار اخلاقي ومثلبة مسلكية ودليل عوار سياسي.