المشهد اليمني

رجال تهامة يتصدّون: خفر السواحل اليمني يُسقط شحنة إيرانية ضخمة

الأحد 20 يوليو 2025 10:37 صـ 25 محرّم 1447 هـ
عبدالجبار سلمان
عبدالجبار سلمان

يشهد البحر الأحمر منذ أشهر تصعيدًا غير مسبوق من قبل ميليشيا الحوثي المدعومة إيرانيًا، في سياقٍ يعكس بشكل واضح تحول البحر الأحمر من ممر مائي استراتيجي إلى ساحة مواجهة إقليمية تهدد أمن التجارة العالمية وسلامة الملاحة الدولية. إن ما تقوم به هذه الميليشيا لا يمكن فصله عن المشروع الإيراني التوسعي، الذي يتخذ من الأذرع الطائفية أداةً لتنفيذ أجنداته الخبيثة في المنطقة. في تطور خطير، تمكّنت القوات اليمنية الوطنية، وبمشاركة مباشرة من قوات خفر السواحل بقيادة العميد عبدالجبار زحزوح، من إحباط واحدة من أكبر عمليات تهريب الأسلحة عبر البحر الأحمر. الشحنة التي تم ضبطها مؤخرًا كانت تحمل أكثر من ٧٥٠ طنًا من المعدات العسكرية المتقدمة، وُضِعت بطريقة مموّهة داخل حاويات لمولدات ومضخات وبطاريات، في محاولة مكشوفة لخداع أجهزة الرقابة. هذه ليست الشحنة الأولى، ولن تكون الأخيرة، لكنها الأكثر دلالة من حيث الكم والنوع، إذ تضمنت منظومات صاروخية متطورة، طائرات مسيّرة هجومية واستطلاعية، أجهزة تنصت واستخبارات إلكترونية، وتقنيات تشويش على إشارات الملاحة الجوية والبحرية. من الواضح أن الهدف من هذه الشحنات ليس مجرد دعم ميليشيا محلية، بل تمكين الحوثيين من فرض واقع عسكري جديد يهدد سواحل اليمن أولاً، ثم الملاحة العالمية ثانيًا. لطالما كان البحر الأحمر أحد أهم الممرات البحرية في العالم، حيث تمر عبره معظم التجارة العالمية، بما في ذلك النفط، والبضائع، والحاويات. ومنذ تصاعد الهجمات الحوثية، أصبح هذا الخط الحيوي مهددًا، الأمر الذي دفع العديد من شركات الملاحة الدولية إلى تغيير مساراتها نحو رأس الرجاء الصالح، ما تسبب بارتفاع كلفة النقل وأسعار الشحن والتأمين. الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن لم تكن عشوائية، بل اعتمدت على طائرات مسيّرة متطورة مزودة بكاميرات حرارية دقيقة، قادرة على تحديد وإصابة أهدافها بدقة عالية، وأنظمة اعتراض اتصالات السفن، ما يهدد قدرة السفن التجارية والعسكرية على التنسيق والتعامل مع التهديدات، وبرمجيات تجسس إلكتروني، تُزرع إلكترونيًا أو تُفعّل عن بُعد، لاستهداف السفن والمنشآت الساحلية، وتقنيات تشويش على أنظمة الملاحة GPS، ما يزيد من مخاطر الحوادث البحرية أو التعدي على الحدود الملاحية. في خضم هذا التصعيد، كان لأبناء تهامة الدور الأبرز في الدفاع عن السيادة الوطنية وحماية ساحل تهامة والجزر اليمنية. فبقيادة ابن تهامة البار العميد عبدالجبار زحزوح، أحد أبرز القادة الوطنيين الذين تربوا في بيئة الكفاح والمقاومة، استطاع خفر السواحل اليمني أن يضرب بيد من حديد، ويقلب معادلة السيطرة البحرية لصالح الحكومة اليمنية. الرسالة التي وجهها أبطال تهامة من خلال عمليتهم الأخيرة كانت واضحة: “لن تكون تهامة بوابة عبور للأسلحة الإيرانية”، وأنهم في الخط الأول للدفاع عن الأمن الوطني والإقليمي، رغم محاولات التهميش والنسيان. ما تقوم به إيران ليس مجرد “دعم حليف”، بل هو مشروع استراتيجي يستهدف ما هو أبعد من اليمن. إيران تسعى لتحويل البحر الأحمر إلى منطقة نفوذ تشبه الوضع القائم في مضيق هرمز، بغرض الضغط على القوى الغربية والإقليمية. والمساومة على ملفات دولية، كالملف النووي والعقوبات. وكذلك إرباك الخطوط البحرية التي تمر من قناة السويس، لابتزاز المجتمع الدولي. كما أن طهران ترى في ميليشيا الحوثي ورقة ذهبية، ليس فقط لإرباك السعودية والإمارات ودول الخليج، بل للتمدد نحو أفريقيا عبر بوابة البحر الأحمر. رغم كل هذه التطورات، لا يزال موقف المجتمع الدولي مرتبكًا، إن لم نقل باردًا. الاكتفاء بإدانة الهجمات أو فرض عقوبات على أفراد ليس كافيًا. فالمسألة لم تعد محصورة في “صراع داخلي يمني”، بل تجاوزته إلى تهديد مباشر للمصالح العالمية. إذا استمر التراخي الدولي، فإن الأيام القادمة قد تحمل مزيدًا من التصعيد، وربما نرى مشاهد شبيهة بـ”قراصنة الصومال”، ولكن بوجه إيراني هذه المرة، مدجج بالطائرات المسيّرة والتكنولوجيا العسكرية. إن معركة البحر الأحمر ليست مجرد معركة بين الحوثيين واليمنيين أو بين إيران والدول الخليجية، بل هي جبهة جديدة في الصراع بين مشروع إقليمي توسعي تديره طهران، وبين النظام الدولي بأكمله. ما يحدث اليوم هو إنذار مبكر. فإما أن يتم التصدي بصرامة لمحاولات زعزعة الأمن البحري، وإما أن ندخل حقبة جديدة من الفوضى الملاحية المسلحة. البحر الأحمر بحاجة إلى حماية دولية متماسكة، ولكن الأهم أن أبناء تهامة واليمن أثبتوا مرة أخرى أنهم خط الدفاع الأول، لا فقط عن سواحلهم، بل عن استقرار الإقليم كله.