البنك اليمني للإنشاء والتعمير يُحذر من ”سطو منظم” على أصوله في صنعاء بوثائق مزورة وتحت ذرائع وهمية

أطلقت إدارة البنك اليمني للإنشاء والتعمير، أحد أقدم المؤسسات المصرفية العريقة في اليمن، نداء استغاثة عاجلاً إزاء ما وصفته بـ"عملية سطو منظمة" تُدار في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة المليشيات الحوثية المدعومة من إيران، تستهدف الاستيلاء على ممتلكات ومقرات البنك العقارية عبر وثائق مزورة واستخدام واجهات قانونية وهمية.
وفي بيان رسمي حازم صدر من المقر الرئيسي الجديد للبنك في العاصمة المؤقتة عدن، كشفت الإدارة العليا عن تحركات متسارعة تجري في صنعاء تهدف إلى بيع وتقييد بعض عقارات البنك باسم جهات غير شرعية، بحجة "تسديد ديون مفترضة"، في خطوة تُعد تصعيداً خطيراً ضد ما تبقى من البنية المصرفية الوطنية في مناطق النفوذ الحوثي.
وجاء هذا التصعيد بعد أيام قليلة فقط من إعلان البنك، في 14 يوليو 2024، نقل مقره الرئيسي والإدارة العامة من صنعاء إلى عدن، في خطوة استراتيجية حاسمة جاءت تنفيذاً لتوجيهات البنك المركزي اليمني، واستجابة للضغوط الدولية، خاصة من وزارة الخزانة الأمريكية التي هددت بإدراج المؤسسة ضمن قائمة الكيانات المحظورة حال استمرار تعاملها مع الأجهزة الموازية في صنعاء.
وبحسب مصادر مصرفية رفيعة المستوى، فإن جهات موالية للمليشيا بدأت فعلياً في عرض بعض الأملاك العقارية التابعة للبنك للبيع بأسعار زهيدة جداً، مستخدمة وثائق مزوّرة تتضمن توقيعات مزيفة وأختاماً غير قانونية، في محاولة لإضفاء شرعية وهمية على هذه الصفقات.
وتشير المعلومات إلى أن هذه الخطوات قد تكون مقدمة لمحاولة تصفية كامل لأصول البنك في صنعاء، وهو ما يُعد ضربة قاصمة لاستقرار القطاع المصرفي الوطني.
وأكدت إدارة البنك في عدن أن جميع الإجراءات والمعاملات التي تتم خارج الإطار القانوني المعتمد، وبخاصة تلك الصادرة من صنعاء، هي "باطلة ولاغية ولا تمثل المؤسسة بأي شكل من الأشكال". وحذرت بشدة من التعامل مع أي جهة أو شخص يدّعي التمثيل القانوني للبنك من داخل صنعاء، مشددة على أن مثل هذه الجهات لا تحظى بأي صفة رسمية، وأن المتورطين في أي تعاملات معها سيتعرضون للملاحقة القضائية المحلية والدولية.
ووصف البيان الرسمي ما يحدث بأنه "هجمة مكشوفة ضد مؤسسة سيادية وطنية"، مضيفاً أن هذه المحاولات "تستهدف تمزيق البنية المالية للدولة وتفكيك مؤسساتها تحت غطاء قانوني زائف". كما أكدت إدارة البنك أنها قد باشرت بالفعل اتخاذ إجراءات قانونية شاملة على المستويين المحلي والدولي، بالتنسيق مع جهات الاختصاص في الحكومة الشرعية، ومؤسسات دولية متخصصة في حماية الأصول والممتلكات العامة.
ودعت إدارة البنك كافة المؤسسات المالية المحلية والإقليمية، وكذلك المنظمات الدولية والهيئات الرقابية، إلى عدم الاعتراف بأي إجراءات أو تصرفات تصدر عن سلطة الأمر الواقع في صنعاء بشأن البنك أو أصوله، محذرة من أن أي تعامل مع هذه الإجراءات سيكون له انعكاسات قانونية ومالية خطيرة.
ويرى محللون اقتصاديون أن قرار نقل البنك إلى عدن لم يكن ليمر دون رد فعل عنيف من مليشيا الحوثي، التي تنظر إلى القطاع المصرفي كأحد أهم أدوات السيطرة الاقتصادية والنفوذ المالي في المناطق الخاضعة لها. ويشير هؤلاء إلى أن محاولات السيطرة على أصول البنوك الحكومية تأتي في سياق سياسة أوسع تهدف إلى تفكيك الدولة وفرض واقع اقتصادي موازٍ، يخدم أجندات المليشيا بعيداً عن الرقابة والشفافية.
ويُعتبر البنك اليمني للإنشاء والتعمير من المؤسسات المالية الرائدة في اليمن، حيث تأسس عام 1968، وكان له دور محوري في تمويل مشاريع البنية التحتية والتنموية طوال عقود. ويُخشى الآن من أن تتحول أصوله إلى غنيمة تُباع في السوق السوداء أو تُستخدم كوسيلة للتمويل غير المشروع للمليشيات.
وفي ظل استمرار التصعيد الحوثي، تطالب إدارة البنك المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالتدخل الفوري لحماية أصوله، وفرض عقوبات رادعة على أي جهة تشارك في هذه المحاولات غير المشروعة، داعية إلى تفعيل آليات الرقابة الدولية على المؤسسات المالية في مناطق النزاع.
ويُنظر إلى هذه الأزمة كامتحان حقيقي لمصداقية الجهود الدولية في الحفاظ على المؤسسات الوطنية في اليمن، وفي الوقت نفسه كمؤشر جديد على الانهيار التدريجي للدولة تحت وطأة الممارسات الانقلابية التي تهدد ليس فقط الاقتصاد، بل أيضاً مستقبل النظام المالي الوطني ككل.