المشهد اليمني

1400 طفل في خطر.. الحصبة تجتاح ذمار وسط انهيار صحي مريع

الثلاثاء 22 يوليو 2025 08:32 مـ 27 محرّم 1447 هـ
تعبيرية
تعبيرية

تشهد محافظة ذمار، في وسط اليمن، تفشياً متسارعاً لمرض الحصبة، في مؤشر خطير ينذر بكارثة صحية وشيكة، خاصة في صفوف الأطفال دون سن الخامسة، وسط تحذيرات منظمات إنسانية من اتساع رقعة الوباء في ظل انهيار شبه كامل للنظام الصحي وشلل شبه تام في برامج التطعيم.

وأفادت منظمة "أطباء بلا حدود" في بيان صادر يوم الاثنين الموافق 21 يوليو 2025، بأنها سجّلت أكثر من 1400 حالة إصابة مؤكدة بالحصبة في ذمار خلال الأشهر الأربعة الماضية، من أبريل إلى يوليو، مع تسجيل ارتفاع حاد في الأرقام خلال الأسبوعين الأخيرين. وبحسب البيانات، ارتفع عدد الحالات من نحو 800 حالة في الثاني من يوليو، إلى أكثر من 1400 حالة في 21 من نفس الشهر، ما يعني تسجيل أكثر من 600 حالة جديدة في أقل من 20 يوماً ، في مؤشر على تسارع وتيرة الانتشار.

وأكدت المنظمة أن أكثر من 56% من المصابين هم من الأطفال دون سن الخامسة ، وغالبيتهم لم يتلقَّ أي جرعة من لقاح الحصبة، ما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات خطيرة، خصوصاً في بيئة يتفشى فيها سوء التغذية ويقلّ فيها الوصول إلى الرعاية الطبية.

وأشار فريق الاستجابة الطارئة التابع للمنظمة إلى أن نسبة الإصابات بالحصبة ارتفعت بنسبة 219% خلال الشهرين الأولين من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي ، في دلالة على تدهور حاد في الوضع الوبائي، يُعزى إلى "فجوات كبيرة في برامج التطعيم، وصعوبات جمة في الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، وانهيار البنية التحتية للقطاع الصحي".

وفي تصريحات صحفية، أكدت الدكتورة فاتن الحبيشي ، مسؤولة الإعلام في مكتب "أطباء بلا حدود" باليمن، أن "أكثر من عقد من الحرب المستمرة، وعدم الاستقرار، أدى إلى تآكل كامل تقريباً للنظام الصحي في اليمن، ما جعل السيطرة على أمراض كانت قابلة للوقاية أمراً شبه مستحيل". وأضافت: "تدهور الأوضاع المعيشية، وانتشار سوء التغذية بين الأطفال، يزيد من هشاشتهم ويجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية مثل الحصبة، التي يمكن أن تكون قاتلة في غياب العلاج السريع".

وأشارت الحبيشي إلى أن تقلص التمويل الإنساني الدولي يُعدّ من العوامل الرئيسية التي تُضعف قدرة المنظمات الطبية على الاستجابة للأوبئة، مشيرة إلى أن "الدعم المتراجع يهدد بانهيار ما تبقى من خدمات صحية طارئة، ويعرّض حياة آلاف الأطفال للخطر".

وتُقدّم "أطباء بلا حدود" حالياً دعماً طبياً طارئاً لمستشفى الوحدة التعليمي في مدينة ذمار، من خلال إنشاء جناح عزل مخصص للحصبة بسعة 40 سريراً، إلى جانب تشغيل ثلاث عيادات متنقلة تعمل في ست مديريات رئيسية بالمحافظة. وتُقدّم هذه العيادات استشارات طبية مجانية، وتشخيصاً مبكراً للحالات، وعلاجات فورية، بالإضافة إلى تحويل المرضى ذوي الحالات الحرجة إلى مراكز طبية متخصصة.

وأكدت المنظمة أنها تنسّق بشكل مستمر مع وزارة الصحة في صنعاء (التابعة للسلطة القائمة في صنعاء) لتوسيع نطاق الاستجابة، ودعت إلى "تحرك عاجل وشامل" لتعزيز حملات التطعيم، وضمان وصول اللقاحات إلى المناطق النائية، وتفعيل آليات الرصد الوبائي، وتقديم دعم عاجل للمؤسسات الصحية المتضررة.

ويأتي هذا التفشي في ظل تقارير تفيد بأن جماعة الحوثي ، التي تسيطر على ذمار ومناطق واسعة من شمال اليمن، قامت في السنوات الماضية بعرقلة حملات التطعيم الجماعية ، وشنّت حملات دعائية ضد اللقاحات، واعتبرتها "أداة تجسس أو تدخل أجنبي"، ما أدى إلى تراجع كبير في معدلات التحصين، خصوصاً في الريف. وتشير تقارير محلية إلى أن بعض المراكز الصحية رفضت استقبال فرق التطعيم المتنقلة، بناءً على توجيهات من مسؤولين محليين تابعين للجماعة.

ويُقدّر خبراء صحيون أن نسبة الأطفال المُحصّنين ضد الحصبة في ذمار لا تتجاوز 40% ، وهي نسبة بعيدة جداً عن الحد الأدنى المطلوب (95%) للحصانة الجماعية، ما يُفسر سرعة انتشار المرض.

ويحذر المراقبون من أن تفشي الحصبة في ذمار قد يكون مجرد البداية ، إذ تُسجّل محافظات يمنية أخرى، مثل صعدة وحجة وعمران، إصابات متفرقة، ما ينذر باندلاع وباء واسع النطاق في حال لم يتم اتخاذ إجراءات استباقية فورية.

وتُناشد المنظمات الدولية والمجتمع الإنساني الدولي بسرعة إطلاق حملة تطعيم طارئة في ذمار وباقي المحافظات المعرضة للخطر، مع توفير التمويل اللازم، وضمان حرية حركة الفرق الطبية، ورفع الحواجز الإدارية والسياسية التي تعوق الاستجابة.

في الوقت نفسه، تؤكد "أطباء بلا حدود" أن "الحصبة ليست مجرد مرض، بل مؤشر على انهيار شامل في الصحة العامة"، داعية جميع الأطراف في اليمن إلى إعطاء الأولوية للصحة العامة فوق الاعتبارات السياسية ، وتمكين الفرق الطبية من أداء مهامها دون عوائق، لإنقاذ حياة آلاف الأطفال المعرضين للخطر.

ذمار، التي كانت يوماً مركزاً ثقافياً وتعليمياً، تُصارع اليوم وباءً يمكن الوقاية منه، في تجسيد صارخ لأبعاد الكارثة الإنسانية التي يعيشها اليمن منذ أكثر من عشر سنوات.