مذكرة تربوية تُثير جدلًا واسعًا: حجب نتائج الثانوية عن طلاب سامع يُقرأ كـ ”تنازل سياسي” عن السيادة في تعز

وسط استياء واسع في الأوساط التربوية والمجتمعية، أثار قرار وزارة التربية والتعليم في الحكومة الشرعية بحجب نتائج الشهادة العامة للثانوية من طلاب مديرية سامع في محافظة تعز، موجة من الانتقادات الحادة، واعتبره مراقبون تنازلاً خطيرًا عن أحد أبرز مقومات السيادة الوطنية في مناطق النزاع.
وفي تغريدة لافتة على منصات التواصل الاجتماعي، علّق الصحفي والناشط الإعلامي عمر التميمي على القرار، مُحذّرًا من تداعياته السياسية والاجتماعية، واصفًا الخطوة بأنها "استسلام إداري ورمزي أمام المشروع الحوثي"، و"ورقة مجانية تُسلّم للانقلابيين لتوسيع نفوذهم دون عنف مسلح".
وقال التميمي: "إن حجب نتائج طلاب سامع بناءً على مذكرات صادرة عن مكتب التربية في محافظة تعز، لا يُعد مجرد إجراء إداري روتيني، بل هو تنازل فاضح عن أبسط مظاهر السيادة التي يجب أن تمثلها الدولة في المناطق التي تقع تحت نفوذها جزئيًا أو كليًا".
وأضاف: "هذا القرار المجحف يُعد نموذجًا صارخًا لكيفية تفريط الحكومة الشرعية، عبر مؤسساتها، في المساحات الرمادية التي يُفترض أن تُدار فيها الصراعات بذكاء سياسي وتماسك مؤسسي، لا بالانسحاب الطوعي الذي يُعزز من موقف المليشيا".
وأشار التميمي إلى أن التعليم يُعد من أقوى أدوات السيادة الناعمة، وأن انسحاب السلطة المحلية والمركزية من إدارة ملف تعليمي حساس كامتحانات الثانوية العامة، يُرسّخ صورة ضعف الدولة، ويُضعف ثقة المواطنين في مؤسساتها، مؤكدًا أن "التعليم ليس مجرد خدمة، بل هو ركيزة أساسية في بناء الهوية الوطنية والانتماء للدولة".
وأوضح أن بدلاً من تعزيز الحضور التربوي والسياسي للسلطة الشرعية في المديريات المتنازع عليها كسامع، نجد تفريطاً متكررًا في ملفات حيوية، "وكأن هناك تمهيدًا غير معلن لتسليم هذه المناطق للحوثيين عبر الانسحاب التدريجي من كل مظاهر الدولة".
وأكد التميمي أن هذا النوع من التنازلات، مهما حُجّج بذرائع إدارية أو أمنية، لا يخدم إلا ترسيخ سلطة المليشيا كـ "أمر واقع"، ويدفع أبناء المديرية إلى الالتفاف حول الجماعة الانقلابية كمرجعية وحيدة، "طالما أن الدولة الشرعية اختارت الغياب، حتى في الملفات التربوية والإنسانية".
وأشار إلى أن قرار الحجب، الصادر عن وزارة تابعة للحكومة الشرعية، يُقرأ سياسيًا على أنه "رضوخ مريب"، و"اعتراف ضمني" بسيطرة الحوثيين على إدارة الشأن التربوي في سامع، متسائلًا: "كيف تُصدر وزارة تابعة للحكومة قرارات تستجيب فيها لمذكرات صادرة من هيكل تربوي يُدار في ظل هيمنة مليشياوية؟".
وأكد أن هذه الخطوة تُسهم عمليًا في تقوية الجماعة الحوثية، وتعزز من خطابها الدعائي القائل بـ"القدرة على إدارة الدولة"، بينما تُظهر الحكومة الشرعية عجزًا في فرض سلطة مؤسساتها، حتى في مناطق لم تقع تحت سيطرة المليشيا بالكامل.
وطالب التميمي بضرورة وقفة جادة من قبل الحكومة والسلطة المحلية في تعز، لإعادة تقييم سياساتها في التعامل مع المديريات المتأرجحة بين النفوذين، داعيًا إلى تفعيل الحضور التربوي والخدمي للدولة كوسيلة لاستعادة الثقة ومواجهة المشروع الحوثي بأساليب مدنية ومؤسسية.
وأكد أن "الإنسحاب من التعليم هو أخطر من الانسحاب العسكري، لأنه يُفقد الدولة شرعيتها في عيون أبنائها، ويُمهّد لولادة أجيال تُربّى على الولاء للمليشيا، لا للوطن".
مديرية سامع في محافظة تعز تقع في منطقة جبلية تشهد توترًا أمنيًا وتنافسًا سياسيًا بين القوات الحكومية والمليشيا الحوثية، وتُعد من "المساحات الرمادية" التي تفتقر إلى سيطرة حكومية كاملة، ما يجعل أي قرار تربوي أو خدمي صادر عنها مؤشرًا حساسًا على موازين القوة والنفوذ.
ويُنظر إلى قرار حجب النتائج على أنه ليس مجرد إجراء بيروقراطي، بل خطوة تُحمل دلالات سياسية عميقة، تُعيد طرح تساؤلات جوهرية حول استراتيجية الحكومة الشرعية في إدارة المناطق المتنازع عليها، وهل تُقدّم التنازلات التربوية والخدمية مقابل تهدئة أمنية مؤقتة، أم أن هناك فشلًا في بناء آلية فاعلة لفرض السيادة المدنية؟