المشهد اليمني

الإسلاميون وعبدالناصر في الوعي الشعبي اليمني

الأحد 27 يوليو 2025 01:08 مـ 2 صفر 1447 هـ
الإسلاميون وعبدالناصر في الوعي الشعبي اليمني

منذ مطلع السبعينات، بدأت محاولات شيطنة الثورة السبتمبرية وداعميها، وتولت العصابات السلالية هذه المهمة بعد أن غُرست في مفاصل النظام الجمهوري، عقب عجزها عن إجهاض الثورة، وهزيمتها المدوية خلال ملحمة السبعين يوماً التي دارت رحاها في صنعاء نهاية عام 1967 وبداية عام 1968.

كانت الشيطنة لمساندة مصر للثورة وقادتها، لا سيما دور زعيمها الراحل جمال عبدالناصر، رحمه الله، واحدة من الأساليب التي استخدمها الكهنوت الهاشمي للنيل من ثورة سبتمبر؛ تارة بالقول إن الثورة كانت مصرية تخطيطاً وتفجيراً ودفاعاً ولا علاقة لليمنيين بها، وتارة أخرى بوصف الرئيس عبدالناصر بصاحب المطامع ونزوع الهيمنة وأنه قاد جيشه لاحتلال اليمن، وثالثة بدعوى أن الزعيم ناصر كان يسعى لاتخاذ اليمن منصة انطلاق لإسقاط الحكم الملكي في الجارة السعودية.

انساق الإسلاميون في اليمن، الذين تربطهم انتماءات بجماعات خارجية عاشت صراعاً داخلياً مع نظام الحكم في مصر، خلف هذه العناوين دون وعي، ووجدوها فرصة للانتصار لمشروع إسلامي يجمعهم بمن يشاطرهم التوجه، متجاهلين محورية دور مصر في انتصار الثورة. وبدأوا بقضهم وقضيضهم في إقامة حفلات الشيطنة والتشنيع للرئيس الراحل عبدالناصر وللدور المصري المساند للثورة وثوارها في المقايل والتجمعات والندوات الشعبية، وفي صفحات النشرات والمجلات والصحف التابعة لهم. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تم تكريس هذا التشنيع في المناهج التنظيمية والتثقيفية الحزبية، وأضفوا عليه ما وصفوه بمظلومية مصرع "سيد قطب"، أحد رموز تيار الإسلام السياسي في القرن الماضي.

كان السلاليون المنضوون في التيارات الإسلامية هم المحرِّك الخفي لتلك الحملات التشنيعية والباعث الأول لها، يحدوهم أمل تجذيرها في وعي الناس، ونجحوا إلى حد كبير في تحقيق مراميهم. وقد كان لذلك عدة دوافع ومآرب تتجاوز سطحية من استخدموهم لتحقيق الغرض، منها:

إحداث قطيعة بين الوعي الشعبي اليمني والدور المصري الداعم للثورة، وتحويل مساندة مصر للثورة من كونها نجدة عربية للأحرار في أعين الشعب إلى محاولة غزو واحتلال لليمن، وهو ما رددته العصابات الهاشمية خلال الستينات جراء الهزائم التي لحقت بها بسواعد اليمنيين ومن خلفهم مصر وزعيمها الراحل.

تصوير ثوار سبتمبر في الوعي اليمني الجمعي على أنهم لم يكونوا سوى مرتزقة يعملون مع الطامعين المحتلين؛ وهذا التصوير الموجه لقادة الثورة يستهدف الطعن بمشروعية ثورة سبتمبر وضروراتها الوطنية والنظام الجمهوري المنبثق عنها، وهذا هو مبتغى اللوبي الهاشمي من هذا التشنيع.

إلهاء الوعي الشعبي اليمني عن ماضي الإمامة العنصرية، والثني عن استحضار جرائمها وإرهابها بحق اليمنيين، والتركيز على صراعات جانبية راديكالية لا علاقة لها باليمن ونضالات أحراره عبر التاريخ.

وعلى ذلك، غطى النسيان الحديث عن جرائم عصابات بيت حميد الدين وإعداماتهم للأحرار، ولم يكن يُذكر أي من شهداء الحركة الوطنية في طريق الحرية إلا فيما ندر، فضلاً عن استحضار السفاحين الهاشميين الذين ملأوا المقابر بجماجم الأحرار. في حين كان "حمزة بسيوني" دائم التردد على ألسنتهم، وسيد قطب لا يفارق أحاديثهم، أما الثلايا وعبدالوهاب نعمان والعنسي والحورش والدعيس وغيرهم، فقد التهمهم النسيان.

هذه الشيطنة لا تزال مستمرة إلى اليوم، لاسيما بين شباب التيارات الإسلامية؛ والحقيقة أن هذا الأمر لا يقتصر على الإسلاميين وحدهم، وإن كانوا أبطالها، بل إن هناك غيرهم يكررون تلك الأقاويل ويحاولون تجذيرها في الوعي الشعبي حالياً، حتى إن أحدهم قال إن الزعيم ناصر قتل الزبيري وعلي عبد المغني! وهم هنا يتلاقون مع ما تردده عصابات بني هاشم اليوم في المناطق التي يحتلونها من أن ثورة سبتمبر كانت انقلاباً عسكرياً على "أمير المؤمنين"، وأن مساندة مصر لها كانت احتلالاً وتدخلاً خارجياً.