”تخفيض 50 و100 ريال” يُشعل غضب اليمنيين: مهزلة اقتصادية أم استخفاف بالمعاناة؟!

أثار إعلان شركة النفط اليمنية – فرع عدن – عن تخفيض طفيف في أسعار المشتقات النفطية، موجةً واسعة من السخرية والغضب الشعبي على منصات التواصل الاجتماعي، وصفها كثيرون بـ"الاستفزاز لعقول المواطنين"، في ظل تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية، لا سيما الغاز المنزلي والنقل والكهرباء.
وأعلنت الشركة فجر اليوم الثلاثاء عن تخفيض محدود في سعر لتر الديزل بمقدار 50 ريالًا، والبنزين المستورد بمقدار 100 ريال للتر، في خطوة زعمت أنها تهدف إلى "تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين"، وشمل التخفيض المحطات الرسمية والخاصة في محافظات عدن، لحج، أبين، والضالع.
لكن بدلاً من الترحيب، قوبل القرار بسيل من السخرية والانتقادات اللاذعة، حيث اعتبره النشطاء والمواطنون "تهريجًا اقتصاديًا" لا يُسمن ولا يغني من جوع، في ظل معاناة الملايين من الفقر والبطالة، وارتفاع أسعار المعيشة إلى مستويات قياسية.
"ميتين خصم وعشرة آلاف زيادة!"
على وسائل التواصل، تصدرت هاشتاجات مثل #تخفيض_الوقود_مهزلة و #احترموا_عقولنا، قائمة الترند في مناطق جنوب اليمن، حيث تداول النشطاء تعليقات حادة وساخرة، تعكس حالة الإحباط الجماهيري.
كتب أحد المغردين:
"عند الزيادة يزيدوا بالألف بعد الألف، وعند التخفيض ينقصوا ميتين! والله إنه جرم كبير، يحسوا الناس ما يحسوا بالفرق، ويعملوا كأنهم يقدّموا تضحية!"
وعلق آخر بسخرية مُرّة:
"ميتَين لو أعطيتها مسكين ما ياخذها منك! لعا باللي خفّض ولا باللي نشر الخبر! شكل التخفيض علشان يكتبوا خبر وينسوا الناس بجوعهم."
وأضاف ناشط ثالث:
"ينزلوا 200 في البترول ويرفعوا 2000 في الغاز! فعلاً نحن نعيش في مهزلة ما بعدها مهزلة. الغاز منتج محلي، ما يستورد، ومع ذلك يزيد سعره كل أسبوع، وهم يخفضوا 100 ريال في البنزين المستورد ويعتبروا هذا 'إنجازًا'!"
غضب من سياسات "عشوائية" وتهميش لمعاناة الناس
يُشار إلى أن أسعار الغاز المنزلي، الذي يُعد من المنتجات المحلية، شهدت ارتفاعًا متواصلًا في الأسابيع الأخيرة، حيث تجاوز سعر الأسطوانة الـ16 كيلو في بعض المناطق 30 ألف ريال يمني، أي ما يعادل أكثر من نصف راتب موظف حكومي في مناطق الجنوب، ما أثار استياءً واسعًا، خاصةً أن الغاز لا يُستورد، بل يُنتج محليًا في مصافي عدن.
ويعتبر مراقبون أن هذا التخفيض المحدود لا يُقرأ كإجراء اقتصادي مدروس، بل كمحاولة لامتصاص الغضب الشعبي، في وقت تفتقر فيه السياسات الاقتصادية إلى الشفافية والعدالة، وتُدار بمنطق "الحلول الترقيعية" دون معالجة جذرية لأسباب التضخم والانهيار المتسارع للعملة الوطنية.
وأكد خبراء اقتصاديون أن مثل هذه القرارات الجزئية، في ظل غياب دعم حقيقي للمواطنين، لا تُحدث فرقًا ملموسًا، بل تُسهم في تعميق الشعور بالإحباط والظلم، مشيرين إلى أن "التخفيضات الرمزية" تُستخدم أحيانًا كأداة دعائية، بينما تستمر الضرائب والرسوم غير المباشرة في التضخم، وتُفرض على المواطنين بشكل غير مباشر.
"مهلة عيّب.. احترموا عقولنا!"
في الوقت الذي يُفترض أن تكون فيه الحكومة والمؤسسات الخدمية حريصة على تخفيف المعاناة، يرى كثيرون أن هذه الخطوة تُعتبر "إهانة للذكاء العام"، كما وصفها أحد المواطنين في منشور واسع الانتشار:
"مهلّه عيييب.. احترموا عقولنا! كتفم الضحك والمهزلة هذه. الناس ما تقدر تدفع تكاليف النقل، والأطفال ما يدرسوا، والكهرباء مقطوعة 20 ساعة، وهم يخفضوا 100 ريال ويعملوا خبر وكأنهم أنقذوا الشعب!"
الخلاصة: معاناة مستمرة وحلول وهمية
في ظل انهيار شامل للخدمات، وارتفاع مهول في تكاليف المعيشة، يُنظر إلى قرارات من هذا النوع على أنها "تغطية إعلامية" لفشل اقتصادي عميق، لا يمكن معالجته بخطوات شكلية، بل يتطلب إعادة هيكلة حقيقية للسياسات المالية، ووقف الهدر، ومحاربة الفساد، ووضع آلية شفافة لتوزيع الموارد.
ويطالب المواطنون اليوم، ليس بـ"تخفيض 100 ريال"، بل بوقف الارتفاع الجنوني للأسعار، وضبط السوق، وضمان وصول الدعم لمستحقيه، ووضع حد لتجارة المشتقات النفطية التي باتت تُدار بمنطق الريع والاستغلال، لا بمنطق الخدمة العامة.
وفي النهاية، يبقى السؤال الذي يطرحه الشارع اليمني:"متى تتحول السياسات من مهزلة إلى حلول؟"