المشهد اليمني

المتساقطون على طريق الوطن.. كيف؟ ولماذا؟!! (الحلقة الأولى)

الجمعة 1 أغسطس 2025 06:15 مـ 7 صفر 1447 هـ
المتساقطون على طريق الوطن.. كيف؟ ولماذا؟!! (الحلقة الأولى)

استهلال.. لطالما قلتُ، وأقول: للشعوب عقائدُها الوطنية كما لها عقائدها الدينية، والمساسُ بعقائدِ الأوطان لا يقل جُرمًا عن المساس بعقائد الأديان؛ بل لقد عرفنا أممًا في التاريخ القديم والوسيط غيّرت عقائدها بين عشيةٍ وضحاها بتغيير الملك عقيدته، خاصة عند الشُّعوب ذات الصّبغة الأبوية في ثقافتها السياسية، ومع هذا سارت دفة الحياة سليمة، أما المساس بعقيدة الأمة السياسية أو هُويتها الحضارية وموروثها التاريخي والثقافي فعادة ما يتبعه الدمار والتلاشي، ولطالما مُحيت دول؛ بل وحضارات حين مُسّت كرامتها القومية بأي صورة من الصور، وصارت خبرًا من الماضي ترويه بطونُ الكتب وتتناقله شفاه الرواة.

لكل وطنٍ شخصيتُه الخاصة به، كوحدة جمعية، مثل شخصيّة الإنسان تمامًا كوحدة فردية، وتعرُّض أي وطنٍ لأي مرضٍ من الأمراضِ السياسية أو الاجتماعية يؤول به الأمرُ إلى ما يؤول بالإنسانِ الفردِ حين يداهمُه أي مرض.
وقد أفرد ابن خلدون في مقدمته فصلا خاصا عن عوامل وأسباب سقوط الدول، مشيرًا إلى أن للدول أعمارًا طبيعية كما للأشخاص أعمار محدودة، وذهب إلى أنّ عُمرَ الدولة في الغالب لا يعدو أعمار ثلاثة أجيال، وعند أفلاطون كذلك أو قريب منه..

وإلى جانب العُمر الافتراضي الطبيعي للدول بمؤسساتها ومرافقها فإن ثمة عوارض ذاتية أو موضوعية قد تعتريها فتؤثر على مسيرة حياتها زيادة أو نقصانا، ثم أسهب القول بعد ذلك في تلك الأسباب التي تعجل بسقوط الدول واندثارها، ليس هنا مجال سردها.

كما أفرد الروائي والفيلسوف الإنجليزي المعاصر كولن ويلسون كتابا خاصا بهذه المسألة من بين نتاجاته الفكرية الكثيرة، أسماه "سقوط الحضارة" ومثله فعل أيضا أريك اتش كلاين في كتابه: "1177ق. م، عام انهيار الحضارة". وقبلهما فعل ادوارد جيبون عن سقوط الإمبراطورية الرومانية، وغيرهم.

بعد هذا الاستطراد نعود للقول: قبل أن تتساقطَ الأوطان، يتساقطُ القائمون عليها، ولكل جماعة أو قوم سقوطهم الخاص بهم. وفي اليمن نستطيع القول أن ثمة فئات وقعت في شباك المصيدة الإمامية السلالية، بسوء نية أم بحسنها، وتحولت من أدوات بناء إلى معاول هدم. وعلى طريق الوطن يتساقط هؤلاء:

1ــ سياسي جاهل
ليس كل سياسي هو مثقف، وهي ظاهرة قديمة/ جديدة، ولطالما كان أفلاطون ينادي بقولته المشهورة: "إمّا أن يتفلسفَ الحكام أو يحكم الفلاسفة" وفلاسفة تلك المرحلة هم مثقفوها بطبيعة الحال.
نادى بذلك وقد رأى عبث أنصاف "المتعلمين" يطالُ بنية الدولة؛ لأن إدارة الدولة تحتاج عقلا مستنيرا، كاستنارة الطبيب الماهر الذي يجيد التعامل مع حالته المرضية. وفي اليمن لطالما رأينا سياسيين كل ما تنقصهم السياسة، نظرا لجهلهم وخفة تصرفاتهم، يمارسون فوضى سياسية لا عملا سياسية، مراهنين على العوام الأجهل منهم.

خلال العقود الأخيرة وجدنا سياسيين لا يعرفون تاريخ اليمن، ويبدو أن بعضهم لم يقرأ كتابا واحدًا في هُويته الحضَاريّة، ولم يتأمل يوما ما في الأخطار المحدقة بالبلاد ولا أمراضها وعللها التاريخية، فمارس لعبته السياسية بخفة وطيش، حتى أفاق على وقع الفأس في الرأس، وقد تحالف مع عدوه التاريخي، جهلا منه بخطره، أو نكاية منه بخصمه السياسي، فانطبق عليه المثل السائر: كالمستجير من الرمضاء بالنار.

كثيرون من الساسة مارسوا هوايتهم السياسية بعقلية طفولية، وبمبدأ شمشون "عليَّ وعلى أعدائي يا رب". أو باستغاثة ابن الزبير: اقتلوني ومالكا، واقتلوا مالكا معي".

سياسيون كثر تجاوزوا "الخطوط الحمراء" بحق الوطن، فعضوا أصابع الندم، ولات حين مندم. طمعًا في مغنم أو نكاية في خصم، وفجأة وجدوا أنفسهم جميعًا في مصيدةٍ واحدة.

فشلَ جيلُ الرواد السياسيين ــ سلطة ومعارضة ــ في بناء الدولة الوطنية المعاصرة، فجنوا على الجيل الجديد الذي أصبح "عاريًا في عراء" نتيجة لسقوط الدولة، بتساقط هؤلاء السياسيين الأقزام..!

تساقط هؤلاء على طريق الوطن، وأسقطوا معهم أيضا المؤسستين العسكرية والأمنية المنوط بهما حماية الوطن من الأخطار في اللحظات الفارقة.
نشيرُ إلى هؤلاء المتساقطين، في الوقت الذي نرفعُ القبعات احترامًا وتقديرًا لكل سياسيٍ ثبت على مبدئه، محافظا على البقية الباقية من تراب الوطن الغالي.