المشهد اليمني

”الحوثي يشعر بالاختناق.. أول صرخة اقتصادية من صنعاء بعد تحسن العملة في عدن”

الإثنين 4 أغسطس 2025 04:45 صـ 10 صفر 1447 هـ
عملة يمنية
عملة يمنية

في تطور اقتصادي ملموس يعكس تحولات جذرية في المشهد المالي اليمني، كشف الخبير الاقتصادي البارز الدكتور ماجد الداعري عن تراجع حاد في نفوذ جماعة الحوثي المالي، مقابل صعود لافت لدور البنك المركزي اليمني في عدن، الذي نجح في تجميع ما يقارب مليار دولار من احتياطي العملات الأجنبية خلال الأشهر القليلة الماضية، في مؤشر يعكس تعافي العملة المحلية وتعزيز الثقة في الاقتصاد الموازي للحكومة الشرعية.

وأوضح الداعري في تصريحات صحفية أن هذا الإنجاز يأتي نتيجة لسلسلة من الإجراءات الحاسمة التي اتخذها البنك المركزي في عدن، من بينها فتح المجال أمام البنوك الحكومية والتجارية لشراء العملات الصعبة مباشرة من الصرافين، ضمن إطار رقابي دقيق، مما ساهم في تدفق الدولار واليورو إلى خزائن البنك المركزي، ووقف التسرب غير المنضبط للعملات الأجنبية.

إجراءات رقابية مشددة تُربك الحوثيين

وفي خطوة وصفها الخبراء بأنها "استباقية وحاسمة"، أصدر البنك المركزي اليمني في عدن تعميمًا رسميًا يقضي بوقف جميع عمليات بيع أو صرف العملات الأجنبية للبنوك التجارية، باستثناء حالات محددة جدًا تشمل السفر للعلاج أو الدراسة في الخارج، وبسقف لا يتجاوز 5000 دولار أمريكي لكل حالة، وذلك بعد إثبات الأوراق الرسمية المطلوبة.

وأكد الداعري أن هذه الإجراءات تأتي في سياق مكافحة تهريب العملات الصعبة إلى مناطق سيطرة جماعة الحوثي، والتي كانت تستفيد لسنوات من التحويلات المالية الواردة من المغتربين عبر شبكات صرافة غير خاضعة للرقابة، ما مكنها من تمويل أنشطتها العسكرية والاقتصادية، ودعم سوق سوداء للعملة.

الحوثيون يلجأون للضغط الدولي

في المقابل، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن تضييق الخناق المالي على مناطق النفوذ الحوثي دفع الجماعة إلى مكثفة جهودها للضغط على المملكة العربية السعودية والأمم المتحدة، للمطالبة بتفعيل الملف الاقتصادي ضمن مفاوضات السلام، ودفع نحو توحيد سعر الصرف في جميع مناطق اليمن، بما في ذلك مناطق سيطرتها.

وأوضح الداعري أن الحوثيين يدركون جيدًا أن استمرار تدهور العملة المحلية في صنعاء، مقابل تحسن ملحوظ في قيمة الريال اليمني في عدن، يهدد بانهيار اقتصادي داخلي في مناطقهم، خاصة مع فقدانهم السيطرة على التحويلات المالية التي كانت تُرسل عبر القنوات التقليدية، والتي بدأت تتحول تدريجيًا نحو البنوك العاملة في عدن، خوفًا من العقوبات الأمريكية على شبكات الصرافة المرتبطة بالحوثيين.

تحول استراتيجي: منع تحويلات المغتربين إلى مناطق الحوثي

وأضاف الداعري أن "تحول البنوك التجارية والصرافين إلى التعامل مع البنك المركزي في عدن، تحت مظلة الامتثال للعقوبات الأمريكية، أدى إلى قطع شريان حيوي كان يمد جماعة الحوثي بالعملات الصعبة"، مشيرًا إلى أن "ما كان يُعرف بتحويلات المغتربين إلى صنعاء أو الحديدة، بات اليوم يُوجَّه نحو عدن، ما يشكل ضغطًا اقتصاديًا غير مسبوق على الجماعة".

مفاوضات اقتصادية قادمة تحت رعاية الأمم المتحدة؟

وفي مؤشر على تصاعد الأهمية الاقتصادية للملف اليمني، توقع الداعري أن تشهد الساحة السياسية والاقتصادية تحركات دولية مكثفة خلال الأسابيع المقبلة، قد تشمل عودة المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، ووصول فريق اقتصادي تابع للأمم المتحدة إلى عدن، للقاء كبار المسؤولين في البنك المركزي والحكومة اليمنية.

وأشار إلى أن الهدف من هذه الزيارة المرتقبة هو بحث آليات توحيد سعر الصرف في جميع أنحاء اليمن، وفرض إطار اقتصادي موحد، قد يشمل لأول مرة الاعتراف بالعملة الجديدة التي يصدرها البنك المركزي في عدن، حتى في مناطق سيطرة الحوثيين، كخطوة نحو استعادة الدولة لسيادتها النقدية.

قراءة في المشهد: انتصار اقتصادي للشرعية؟

يُنظر إلى هذه التطورات على أنها انتصار اقتصادي استراتيجي للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، يوازي التحديات العسكرية، ويعزز موقفها التفاوضي في أي مفاوضات قادمة. فبينما تسعى الجماعة الانقلابية إلى كسب دعم سعودي لتفعيل الملف الاقتصادي، تبدو المملكة في موقف حرج، إذ تدرك أن دعم أي إجراءات تُعزز من قدرات الحوثي المالية قد يُفسر على أنه تمويل غير مباشر للإرهاب.

في المقابل، تواصل عدن تعزيز مكانتها كمركز مالي ونقد يمني معترف به دوليًا، مع تزايد ثقة المؤسسات المالية الدولية والبنوك التجارية في قدرتها على إدارة الاقتصاد الوطني، رغم التحديات الهائلة التي تفرضها الحرب المستمرة منذ تسع سنوات.

خلاصة: مستقبل اقتصادي جديد يتشكل

ترسم هذه التطورات صورة جديدة لمستقبل الاقتصاد اليمني، حيث يبدأ تراجع نفوذ الكيانات الموازية، وتعود الدولة تدريجيًا إلى ممارسة أدوارها السيادية، لا سيما في المجال المالي والنقد.

ومع تصاعد الضغوط الدولية، وزيادة الاعتماد على البنك المركزي في عدن، تبدو الفرصة مواتية لبناء اقتصاد موحد، قائم على الشفافية والرقابة، يُمكن أن يكون حجر الأساس في إعادة إعمار اليمن.