المواطن يدفع، والخزينة تُنهب: من يُغذّي ”صاحب الحوش” على حساب الغاز المنزلي في اليمن؟

كشف مصدر مطلع داخل قطاع الغاز عن شبكة فساد مُتعددة الطبقات تُدار تحت غطاء "الإشراف الفني"، تُجبر بموجبه محطات الغاز الخاصة في عدد من المحافظات على دفع مبالغ مالية غير قانونية تُقدر بـ2000 دولار لكل محطة سنويًا، تُسلّم لشخصية نافذة يُعرف بلقب "صاحب الحوش"، لا علاقة له بالهيكل الإداري أو الفني لشركة الغاز، ولا يمتلك أي سلطة رقابية رسمية.
وأوضح المصدر أن هذه الجباية تُفرض سنويًا مع بداية كل عام مالي، وتُقدّم على أنها "رسوم إشراف" تضمن التزام المحطات بالمعايير الفنية والبيئية المطلوبة في تراخيص التشغيل. لكن المثير للريبة، بحسب المصدر، أن هذه المبالغ لا تُودع في حسابات الدولة أو خزينة شركة الغاز، بل تُحوّل مباشرة إلى حسابات خاصة تعود لـ"صاحب الحوش"، الذي لا يخضع لأي جهة رقابية أو إدارية، ولا يحمل شهادة فنية أو ترخيصًا رسميًا لمزاولة عمل رقابي.
شبكة فساد مؤسساتي تُرهق كاهل المواطن
يُقدّر إجمالي الإيرادات غير القانونية التي تُجمع بهذه الطريقة بأكثر من مليون دولار سنويًا، تُستقطع من جيوب أصحاب محطات الغاز الخاصة، ثم تُحوّل إلى المستهلك النهائي عبر رفع أسعار أسطوانات الغاز المنزلي والتجاري. ويؤكد المصدر أن هذا العبء يُضاف إلى سلسلة من الزيادات السعرية التي يعاني منها المواطنون، جزء كبير منها ناتج عن ممارسات فساد مُقنّعة داخل قطاعات الخدمات الأساسية.
وأشار إلى أن "المسؤولية لا تقع على عاتق صاحب الحوش وحده، بل على إدارة شركة الغاز التي تُقرّ وتُوكل مهمة رقابية حساسة لشخص خارجي، وتغض الطرف عن توظيف كفاءاتها الذاتية، ما يوحي بتواطؤ مباشر أو ترتيبات خلف الكواليس تُغذّي شبكة فساد متشعبة".
تساؤلات جوهرية تطال إدارة الشركة والجهات الرقابية
ينبثق من هذه الكشوفات سلسلة من التساؤلات الجادة التي تطال جوهر عمل الشركة وآليات الرقابة في القطاع:
- لماذا يتم الاستعانة بشخص خارجي لا يملك أي صفة رسمية أو مؤهلات فنية، في حين تمتلك شركة الغاز مكاتب فنية متخصصة في فروعها؟
- كيف تُوكل مهمة رقابة حساسة على سلامة وتشغيل محطات الغاز إلى شخص لا يخضع لأي رقابة إدارية أو مالية من الشركة؟
- لماذا يُحرم فرع شركة الغاز بعدن – والموظفون الرسميون فيه – من هذه الموارد المالية الضخمة التي تُصرف خارج السياق المؤسسي؟
- أين تقع مسؤولية الجهات الرقابية العليا مثل وزارة الصناعة والتجارة، وهيئة الرقابة ومكافحة الفساد، في ظل استمرار هذه الممارسات منذ سنوات؟
مطالبات بالتحقيق الفوري ومحاسبة المتورطين
يُسلط هذا الكشف الضوء على فساد مُقنّع يتم تحت مسميات وهمية، يُستغل فيها غياب الرقابة الفعّالة وسوء الإدارة لتحويل موارد مالية ضخمة إلى جيوب خاصة، على حساب كفاءة الخدمة العامة وحقوق المواطنين. ويشير المصدر إلى أن ما يحدث لا يُعدّ مجرد "تجاوز فردي"، بل يُشكّل شبكة فساد مؤسساتي تُدار بتنسيق دقيق بين أطراف داخلية وخارجية.
ويُطالب ناشطون ومراقبون اقتصاديون بفتح تحقيق عاجل ومستقل في هذه الادعاءات، وإحالة جميع المتورطين – من داخل الشركة ومن خارجها – إلى جهات التحقيق، مع مطالبة وزارة الصناعة والتجارة وهيئة مكافحة الفساد بالتدخل الفوري.
وأكدوا أن المليون دولار التي تُدفع سنويًا كجبايات غير قانونية كان يمكن توجيهها لتحسين البنية التحتية لقطاع الغاز، ودعم الفئات الأكثر احتياجًا، أو تطوير الكوادر الفنية، بدلًا من أن تُستخدم لتعزيز نفوذ شخصيات نافذة على حساب المصلحة العامة.
دعوة إلى الشفافية والمساءلة
في خضم أزمة اقتصادية متفاقمة، يُعدّ استغلال قطاع الغاز – وهو من أبرز مصادر الطاقة الأساسية – لأغراض شخصية أمرًا خطيرًا يُهدد الاستقرار المجتمعي.
وتطالب منظمات رقابية بضرورة تفعيل آليات الشفافية، وإنشاء نظام رقابة مستقل على التراخيص والرسوم، مع نشر كشوفات الدخل والمصروفات الخاصة بالشركة بشكل دوري.
ويُختتم المصدر بالتأكيد أن "الفساد لا يبدأ ب "صاحب الحوش"، بل بمن يُسلّم له المفتاح، ويُعطيه الغطاء، ويُسكت عن جرائمه بحق المال العام". داعيًا إلى "محاسبة الحقيقة، وليس التغطية على المجرمين تحت ذرائع الحماية أو النفوذ".
الوقت قد حان لوضع حدّ للفساد المقنّع، ولن يُسمح بعد اليوم بأن تُستنزف جيوب المواطنين لتمويل شبكات المحسوبية والثراء غير المشروع.