المشهد اليمني

”ما الذي يحدث في الاقتصاد اليمني؟ صنعاء تنهار وعَدن تنقذ الريال!”

الجمعة 8 أغسطس 2025 01:48 صـ 14 صفر 1447 هـ
تعبيرية
تعبيرية

في تحوّل اقتصادي مفصلي، تعيش العاصمة اليمنية صنعاء، الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، واحدة من أسوأ مراحل التدهور النقدي منذ سنوات، بينما تشهد مدينة عدن، بوصفها مركزًا حكوميًا مؤقتًا، خطوات جادة وجريئة نحو استعادة الاستقرار الاقتصادي وتعزيز الثقة في العملة الوطنية، في مؤشر على تباين حاد في مسار الاقتصاد اليمني بين شطري البلاد.

وأفاد الصحفي والخبير الاقتصادي المعروف، ماجد الداعري، في تصريحات خاصة مساء الخميس، بأن الحكومة اليمنية الشرعية، بالتعاون الوثيق مع البنك المركزي اليمني، تمكنت من تحقيق تقدّم ملموس في معركة استقرار سعر صرف الريال اليمني، وذلك من خلال سلسلة قرارات اقتصادية حاسمة أظهرت فعالية فورية في وقف التدهور المتسارع للعملة المحلية، وفتحت الباب أمام ما وصفه بـ"فترة انتعاش اقتصادي مرتقبة".

وأكد الداعري أن هذه الخطوات تأتي في إطار خطة متكاملة لإصلاح الاقتصاد الوطني، وتمهيدًا لاستئناف الدعم المالي الخارجي من قبل دول التحالف والمجتمع الدولي، بعد تنفيذ الحكومة لكامل الشروط المطلوبة المتعلقة بالشفافية المالية، وإصلاح القطاع المصرفي، وضبط منظومة التمويل والواردات.

الانهيار في صنعاء والانتعاش في عدن

في الوقت الذي تشهد فيه مناطق سيطرة المليشيا الحوثية انهيارًا شبه معلن لسعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، نتيجة شح حاد في السيولة بالدولار والريال السعودي، تشهد العاصمة عدن تحولًا جوهريًا في المشهد الاقتصادي، بفضل قرارات حكومية جريئة أعادت الثقة إلى السوق المالي.

وأشار الداعري إلى أن "الزلزال المالي" الذي ضرب صنعاء مؤخرًا هو الأكبر من نوعه منذ سنوات، وناتج عن تراكمات اقتصادية خطيرة، من بينها تدهور الاحتياطي النقدي، وسعي المليشيا إلى فرض سياسات مالية غير قانونية، واعتمادها على قنوات تحويلات غير رسمية، ما أدى إلى شلل شبه تام في النظام المصرفي في مناطق سيطرتها.

وأضاف: "في المقابل، فإن قرار قطاع الرقابة على البنوك بوقف التحويلات والمصارفات بالعملة الصعبة إلى مناطق الحوثيين، كان الضربة القاضية للاقتصاد الموازي الذي تديره المليشيا، وأدى إلى حالة من الذعر بين تجار العملة والمضاربين، وانهيار حاد في قيمة الريال في السوق الموازية بصنعاء".

انطلاقة جديدة لتمويل الواردات بسعر صرف رسمي

في خطوة تُعد من أبرز محطات الإصلاح الاقتصادي، أعلنت اللجنة الوطنية المشتركة لتنظيم وتمويل الواردات، بدء تنفيذ قرار تمويل اعتمادات الاستيراد للسلع الأساسية والمحصورة، ابتداءً من الأحد المقبل (10 أغسطس 2025)، وفقًا لسعر الصرف الرسمي الجديد للدولار الأمريكي والريال السعودي.

وأكد الداعري أن هذا القرار يُمثل "نقطة تحول حقيقية"، إذ سيمكن من ضبط سوق الاستيراد، وضمان وصول السلع الأساسية إلى المواطنين بأسعار معقولة، إلى جانب كسر احتكار المليشيا لتمويل الواردات عبر قنوات غير رسمية، ما كان يُسهم في تضخيم الأسعار وزعزعة الاستقرار المعيشي.

اجتماع مفصلي في عدن يرسم معالم المرحلة القادمة

وقد عقدت اللجنة الوطنية المشتركة لتنظيم وتمويل الواردات، برئاسة محافظ البنك المركزي اليمني ورئيس اللجنة، أحمد غالب المعبقي، اجتماعها الرابع في العاصمة عدن، بحضور وزير الصناعة والتجارة، محمد الأشول، بصفته نائب رئيس اللجنة، إلى جانب ممثلين عن عدد من الوزارات والجهات الحكومية المعنية بالتجارة والتمويل والرقابة.

وخرج الاجتماع بعدد من القرارات الاستراتيجية التي تُعد حجر الزاوية في بناء اقتصاد وطني منظم وشفاف، أبرزها:

  • إقرار اللوائح والأنظمة المنظمة لأعمال اللجنة، بما في ذلك تحديث أدلة الإجراءات التشغيلية، وتحديد الآليات التنفيذية لتمويل الواردات.
  • اعتماد قائمة رسمية بالسلع الأساسية المسموح باستيرادها، على أن يتم تمويلها حصريًا من خلال البنوك وشركات الصرافة المرخصة، مع منع تام للاستيراد عبر القنوات غير الرسمية.
  • بدء استقبال طلبات المصارفة والتحويل التجاري، بدءًا من الأحد القادم، من خلال نماذج إلكترونية موحدة، بهدف تبسيط الإجراءات وضمان الشفافية.
  • دعوة مفتوحة لرجال المال والأعمال والتجار، للتفاعل الإيجابي مع هذه الآلية الجديدة، لما فيه مصلحة عامة في تعزيز الاستقرار النقدي، ومحاربة التهريب، والمضاربات، واستغلال السوق.

مكافحة التمويل غير المشروع وحماية الاقتصاد الوطني

وشددت اللجنة في بيانها الختامي على أن هذه الإجراءات تأتي ضمن خطة وطنية شاملة لمحاصرة الأنشطة المالية غير المشروعة، التي تستغلها جهات تخريبية وإرهابية – في إشارة واضحة إلى مليشيا الحوثي – لزعزعة الاستقرار الاقتصادي في المناطق المحررة، وتقويض جهود الحكومة في إعادة بناء الدولة.

وأكدت أن الهدف الأساسي من هذه الخطوات هو حماية معيشة المواطن، وضمان توفر السلع الأساسية، ودعم الاقتصاد الوطني بالشفافية والانضباط المالي، وفتح المجال أمام استئناف التمويل الخارجي، بما في ذلك الودائع الدولية، والمنح، والقروض التنموية.

"الملعب جاهز لقفزات اقتصادية"

وفي تقييمه للوضع، قال الخبير ماجد الداعري:

"الملعب بات جاهزًا اليوم. الحكومة والبنك المركزي اليمني مستعدان لقفزات اقتصادية مرتقبة ستعيد الروح إلى قيمة الريال اليمني، وتكسر القبضة الاحتكارية التي فرضتها المليشيا على مفاصل السوق المصرفي. هذه ليست مجرد خطوات ترقيعية، بل هي بداية حقيقية لاستعادة الدولة لسيادتها الاقتصادية".

وأضاف: "نحن أمام فرصة تاريخية لبناء اقتصاد وطني مستقل، يرتكز على المؤسسات، ويخدم المواطن، ويستعيد ثقة المجتمع الدولي. المطلوب الآن هو التكاتف الوطني، والالتزام الصارم بالقوانين، ومحاربة كل من يحاول العبث بمقومات الاستقرار المالي".

آفاق اقتصادية مشرقة في الأفق

مع بدء تنفيذ هذه القرارات، يتوقع الخبراء أن تشهد أسواق عدن وباقي المناطق المحررة استقرارًا تدريجيًا في أسعار الصرف، وتراجعًا في معدلات التضخم، وتدفقًا منظمًا للسلع الأساسية، ما سينعكس إيجابًا على حياة المواطنين.

وفي الوقت الذي تواصل فيه صنعاء الغرق في دوامة الانهيار النقدي، تبرز عدن كمركز حيوي للإرادة الاقتصادية الوطنية، ورمزًا لدولة تسعى، رغم التحديات الجسيمة، إلى إعادة بناء اقتصادها على أسس سليمة، وفتح صفحة جديدة من الأمل والاستقرار.