40 ألف يمني يفقدون 12 مليون دولار في ليلة واحدة! ما القصة وراء أكبر عملية نصب رقمية في اليمن؟”

في واحدة من أكثر القصص صدمةً في المشهد الاقتصادي الرقمي باليمن، انهارت منصة استثمارية وهمية تُعرف باسم "AITS"، تاركةً وراءها دمارًا ماليًا هائلاً، حيث فقد ما يقارب 40 ألف مواطن يمني أكثر من 12 مليون دولار في غضون أسبوعين فقط، قبل أن تختفي المنصة تمامًا عن السطح، دون أي أثر للقائمين عليها.
الواقعة، التي هزّت الشارع اليمني في صنعاء، كشفت مجددًا عن ثغرات خطيرة في وعي المستثمرين الرقميين، واستغلال ممنهج للأوضاع الاقتصادية الصعبة، حيث يبحث المواطنون عن فرص بديلة للنجاة من انهيار العملة وتفشي البطالة.
لكن السؤال الأهم الآن: كيف نجحت شركة وهمية في جمع هذا المبلغ الهائل في وقت قياسي؟ ومن يقف وراء هذه العملية الاحتيالية؟
تفاصيل الحادثة: أكبر عملية نصب رقمي تهز اليمن
في ظل التحولات السريعة في أساليب الاحتيال الإلكتروني، شهدت العاصمة صنعاء خلال الأيام الماضية حالة من الذعر والصدمة، بعد تأكّد اختفاء منصة "AITS" (Advanced Investment & Trading Solutions)، التي كانت تروّج لنفسها كمنصة استثمارية متقدمة تُقدّم عوائد شهرية تصل إلى 30%، وهو رقم غير واقعي بمعايير الاستثمار العالمي، وفق خبراء اقتصاديين.
ووفق مصادر محلية وشهادات متعددة من ضحايا، استطاعت المنصة جذب عشرات الآلاف من المواطنين خلال أسبوعين فقط، من خلال حملات إعلانية مكثفة على منصات التواصل الاجتماعي، واستخدام وسائل دعائية تشمل فيديوهات مصممة بجودة عالية، وتصريحات منسوبة لـ"خبراء ماليين"، إلى جانب توظيف "ناجحين سابقين" لتسويق التجربة.
وأشار أحد الضحايا، وهو موظف حكومي طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أنه دفع ما يقارب 3000 دولار:
"كنت أعتقد أنني أستثمر في فرصة نادرة، خاصة في ظل انهيار الرواتب وارتفاع الأسعار. كل شيء بدى مهنيًا: موقع إلكتروني، تطبيق جوال، ودعم فني على مدار الساعة. لكن بعد أسبوع من التسجيل، اختفت المنصة، وانقطعت كل قنوات الاتصال."
كيف تم الهروب بالمال؟
تشير التحقيقات الأولية إلى أن القائمين على المنصة استخدموا تقنيات احتيال متقدمة، تشمل:
- تشفير البيانات وتضليل العناوين (IP Spoofing)
- استخدام سيرفرات خارجية في دول لا تتعاون في قضايا الجرائم الإلكترونية
- تضخيم الأرباح في الحسابات الافتراضية لجذب المزيد من الضحايا
وبحسب تقارير من مختصين في الأمن السيبراني، فإن نموذج "AITS" يشبه إلى حد كبير نماذج "الهرم المالي" (Ponzi Scheme)، حيث تُستخدم أموال المستثمرين الجدد لدفع "أرباح" للمستثمرين الأوائل، حتى يزداد الإقبال، ثم تُسحب الأموال فجأة وتختفي المنصة.
تحذيرات سابقة لم تُستجب لها
قبل انهيار "AITS"، أصدرت جهات يمنية مختصة، من بينها البنك المركزي اليمني (فرع عدن)، تحذيرات متكررة من التعامل مع منصات استثمار رقمية غير مرخصة، خاصة تلك التي تعد بعوائد غير واقعية.
في بيان صادر في مارس 2024، حذر البنك المركزي من " proliferation of fake investment platforms" (ازدياد المنصات الاستثمارية الوهمية)، وأكد أن "أي كيان لا يحمل ترخيصًا رسميًا لا يُعتبر قانونيًا، وجميع التعاملات معه تقع تحت طائلة المسؤولية الفردية".
لكن هذه التحذيرات لم تلقَ آذانًا صاغية، بسبب انتشار اليأس المالي، ورغبة المواطنين في الخروج من دائرة الفقر، ما جعلهم عرضة للوقوع في فخ "الحل السحري".
التداعيات: مطالبات بالتحرك العاجل
في أعقاب الكارثة، تزايدت المطالبات من نشطاء، ومحامين، وجمعيات وطنية، بضرورة تفعيل دور الأجهزة الأمنية والقضائية لملاحقة القائمين على المنصة، وفتح تحقيق عاجل في القضية.
كما دعا خبراء اقتصاديون إلى إنشاء "وحدة متخصصة لمكافحة الجرائم المالية الإلكترونية"، تكون قادرة على رصد المنصات المشبوهة قبل فوات الأوان.