لماذا تقدم الخليج وتحطّم اليمن؟ جواب صادم من كاتب يمني لا يُمكن تجاهله

في حلقة معمّقة من بودكاست "فنجان"، قدّم الكاتب والأديب اليمني ضياء السعيدي قراءة تحليلية عميقة لمسار اليمن السياسي والاجتماعي عبر القرون، متسائلًا: "لماذا تقدّم الخليج وتأخّر اليمن؟"، وسط تشخيص دقيق للعوامل التاريخية والقبلية والجيوسياسية التي شكّلت واقع الدولة اليمنية المعطّل.
وأوضح السعيدي أن اليمن شهدت تحولات سياسية معقدة، بدأت من الممالك القديمة مثل سبأ وحمير، مرورًا بالسيطرة الأجنبية (الأحباش، الأمويين، العثمانيين)، ثم الدولة الزيدية، وصولاً إلى الجمهورية. لكنه أشار إلى أن غياب بناء مؤسسات دولة حديثة، رغم هذه التحوّلات، شكّل العقبة الكبرى أمام التقدّم.
وأكّد أن القبيلة، رغم دورها كمظلة اجتماعية وسياسية في غياب الدولة، باتت "الحجر العثرة" أمام التحديث، مشيرًا إلى أن الولاءات القبلية ما تزال تفوق الولاء الوطني، ما يُعقّد بناء دولة مركزية فعّالة.
وسرد السعيدي تجربته الشخصية ناشئًا في بيئة تعليمية حديثة، ما جعل انتماءه للدولة يفوق انتماءه للقبيلة، لكنه واجه صعوبة في فهم العلاقات التقليدية التي تُدار بالولاءات لا بالقوانين.
وأبرز الكاتب دور الموثوقية العالية بين اليمنيين، خاصة في التعاملات التجارية بالخارج، كظاهرة تُظهر قدرة المجتمع على التنظيم الذاتي، لكنها لم تُستثمر في بناء مؤسسات دولة داخل اليمن.
وفي تحليله للصراعات، رأى أن الجغرافيا لعبت دورًا محوريًا: فالجبال التي تُشكل 80% من تضاريس اليمن حافظت على استقلال القبائل، لكنها أيضًا عزلتها عن مراكز القرار، وعرقلت التكامل الوطني.
وتوقف عند مرحلة علي عبد الله صالح، موضحًا أنه استطاع البقاء 33 عامًا في الحكم بفضل دعم سعودي، وشراء ولاءات الشيوخ، وتفكيك البُنى القبلية التقليدية لتحويلها إلى أداة للسيطرة، لا كشريك في الحكم.
كما ناقش تجربة الوحدة اليمنية 1990، واصفًا إياها بـ"العفوية والسريعة"، وليست نتاج مشروع وطني حقيقي، ما أدى إلى تفجّر الخلافات لاحقًا.
وأشار إلى أن صعود الحوثيين لم يكن ظاهرة دينية بحتة، بل نتيجة لاستغلالهم لغضب القبائل من تهميش الدولة، وضعف الشرعية، وتفشّي الفساد.
وأكد السعيدي أن الفساد ليس المشكلة، بل عرض لخلل هيكلي في العلاقة بين الدولة والمجتمع، مطالبًا بتصميم نظام حكم "غير مركزي، فيدرالي، يُقرّ بالهويات المحلية، ويُعيد توظيف دور القبيلة في إطار دولة حديثة".
وفي ختام حديثه، حذّر من أن إسقاط الحوثي لن يحل الأزمة، بل قد يفتح باب صراعات جديدة، ما لم تُبنى "سردية جديدة" تجمع الأطراف حول رؤية مشتركة.
وخلص إلى أن اليمن لا تحتاج إلى نسخ تجارب الخليج، بل إلى إعادة اكتشاف ذاتها، وبناء دولة على مقاس مجتمعها، لا على مقاس الأنظمة المستوردة.