المشهد اليمني

”المرأة اليمنية تحت الحصار: من التعليم إلى القضاء، كيف يُصادر الحوثيون مستقبلها؟”

الأحد 24 أغسطس 2025 12:46 صـ 1 ربيع أول 1447 هـ
يمنيات قاضيات-تعبيرية-
يمنيات قاضيات-تعبيرية-

في خطوة تُعدّ امتدادًا لسلسلة من السياسات التمييزية، تواصل مليشيا الحوثي فرض قيود مشددة على حقوق المرأة اليمنية، حيث كشفت مصادر قانونية وحقوقية عن إصدار المليشيا قرارًا رسميًا يُمنع بموجبه النساء من الالتحاق بالمعهد العالي للقضاء في العاصمة صنعاء، للمرة الثانية منذ سيطرتها على المدينة.

القرار، الذي يُعدّ انتكاسة كبيرة في مسار العدالة والمساواة، أثار موجة استنكار واسعة داخل الأوساط القانونية والمجتمع المدني، وسط دعوات مُتزايدة لإلغائه فورًا ومحاسبة المتورطين فيه.

حيث أصدرت سلطة الحوثيين في صنعاء قرارًا إداريًا يُقيد دخول النساء إلى المعهد العالي للقضاء، المؤسسة الرسمية المُختصة بتأهيل القضاة والمحامين في اليمن، في خطوة تُعتبر تصعيدًا مباشرًا ضد حق المرأة في التعليم والعمل في المجال القضائي.

ووفقًا لمصادر داخل المعهد، فإن القرار تم تطبيقه عمليًا خلال القبولات الجديدة، حيث تم استبعاد جميع الطالبات المؤهلات، وتم تخصيص المقاعد المتاحة للرجال فقط.

وأكد قانونيون أن هذا القرار يُعدّ "انتهاكًا صارخًا" للدستور اليمني، الذي ينص في المادة (40) على أن "الدولة تكفل للمرأة حقها في التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة على قدم المساواة مع الرجل"، كما يتعارض مع مبادئ العدالة الانتقالية والشراكة الوطنية التي يفترض أن تقوم عليها مؤسسات الدولة.

"هذا ليس مجرد قرار تعليمي، بل سياسة إقصائية ممنهجة تهدف إلى تهميش المرأة من مفاصل الدولة، خصوصًا في مؤسسات العدالة التي تُفترض أن تكون حيادية ومنصفة" — محامية يمنية، طلبت عدم الكشف عن هويتها.

ويُنظر إلى القرار على أنه جزء من مشروع أوسع يتبناه الحوثيون لفرض نموذج طائفي مغلق، يُقصي المرأة من المناصب الحساسة، ويُكرّس هيمنة الذكور في جميع مفاصل الحكم. وتشير تقارير حقوقية إلى أن هذه السياسة لم تبدأ بقرار المعهد، بل سبقها حملات تضييق على النساء في وظائف التعليم والصحة والقضاء، إضافة إلى فرض "هيئة الأمر بالمعروف" لمراقبة لباس النساء وتنقّلهن في الشوارع.

دعوى قضائية تُهدد القرار:

في تطوّر لافت، كشفت مصادر قانونية عن رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الإدارية في صنعاء، تطالب بإلغاء القرار الحوثي، وتعتبره "مُخالفًا للقانون والدستور والمواثيق الدولية التي صادقت عليها اليمن".

وتشمل الدعوى عددًا من الحقوقيين والقانونيين الذين يرون أن منع النساء من دخول السلك القضائي يُعدّ "ضربة قاصمة لمبدأ تكافؤ الفرص".

وأفادت المصادر أن الدعوى تستند إلى مواد دستورية، إضافة إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، التي صادقت عليها اليمن عام 1984، وتُلزم الدولة بضمان المساواة في الوصول إلى الوظائف العامة، بما في ذلك القضاء.

استنكار واسع من منظمات حقوقية:

من جهتها، أصدرت منظمات حقوقية يمنية ودولية بيانات استنكار حادة، داعية إلى "إلغاء فوري" للقرار. واعتبرت منظمة "سام للحقوق والحريات" أن القرار "يُشكل جريمة تمييز منظّمة، ويُنذر بعودة اليمن إلى عصور التهميش الطائفي". كما حذّرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" من أن "استمرار الصمت الدولي يُشجّع الحوثيين على تعميق انتهاكاتهم".

وأشار تقرير حديث صادر عن مركز "يمن سكوب" للدراسات إلى أن عدد النساء العاملات في السلك القضائي انخفض بنسبة تزيد عن 67% في مناطق سيطرة الحوثيين منذ عام 2015، مقارنةً بـ 32% في باقي المحافظات المحررة.

المرأة اليمنية في مواجهة "حرب مزدوجة":

يشير ناشطون حقوقيون إلى أن المرأة اليمنية تعيش "حربًا مزدوجة": الأولى هي الحرب المسلحة التي دمّرت البلاد، والثانية هي الحرب ضد حقوقها، التي تشنّها مليشيا الحوثي عبر سياسات التضييق والتمييز.

ويشددون على أن حرمان المرأة من دخول المعهد العالي للقضاء لا يُعدّ انتهاكًا شخصيًا، بل يُقوّض فرص وصول آلاف النساء إلى العدالة، خصوصًا في قضايا الأسرة، والطلاق، والحضانة، حيث يُعدّ وجود قاضيات أمرًا حيويًا لضمان فهم دقيق للسياق الاجتماعي والنفسي.