”سيارة إسعاف بدل الجنازة”.. قصة أب يمني فقد أبناءه ثم حوّل الحوثيين إنقاذه إلى جريمة!

في مشهد يعكس تدهورًا حادًا في الوضع الإنساني والطبي بمناطق النزاع في اليمن، تعيش أسرة يمنية في محافظة حجة مأساة مركبة، لم تقتصر على فقدان ثلاثة من أبنائها جراء انهيار منزلهم بسبب الأمطار الغزيرة، بل امتدت إلى معاناة جديدة أشد قسوة، بعدما حوّلت ميليشيا الحوثي مشهد الإغاثة الإنسانية إلى مسلسل من العقاب والحرمان.
فقدت الأسرة، التي تقطن في مديرية كعيدنة، ثلاثة من أطفالها الصغار في حادث مروع، إثر انهيار سقف منزلهم بسبب الأمطار الموسمية التي ضربت المنطقة، في ظل غياب أي تدخل عاجل من قبل الجهات المسؤولة لتأمين المأوى أو تقديم المساعدات العاجلة.
لكن المأساة لم تتوقف عند هذا الحد، بل تطورت إلى كارثة إضافية، حين تم احتجاز سيارة إسعاف تابعة لمستشفى عبس، كانت قد نقلت والد الأطفال المتوفين إلى المستشفى الجمهوري في حجة لتلقي العلاج بعد تعرضه لانهيار عصبي وصدمات نفسية بالغة.
وأكدت مصادر طبية مطلعة في حجة أن إدارة المستشفى الجمهوري، الذي تقع تحت سيطرة ميليشيا الحوثي، رفضت إطلاق سراح سيارة الإسعاف، مبررة ذلك بحجة "عدم قدرة الأب على دفع تكاليف العلاج". ورغم الطبيعة الإنسانية للحالة، وكون السيارة جزءًا من منظومة الإغاثة الطبية، إلا أن القرار تم اتخاذه بحسم، ما أدى إلى شل حركة مستشفى عبس، الذي يعتمد على هذه السيارة كوسيلة نقل طبية وحيدة له.
وأشارت المصادر إلى أن احتجاز المركبة تسبب في تعطيل عمليات الإخلاء الطبي العاجلة، ما عرّض حياة عدد من المرضى للخطر، من بينهم امرأة كانت في حالة حرجة وتحتاج إلى نقل فوري إلى حجة لتلقي العلاج المتخصص، لكنها لم تستطع التحرك بسبب غياب وسيلة النقل.
وأعرب أهالي المنطقة عن صدمتهم من هذا التصرف، ووصفوه بـ"اللا إنساني"، مشيرين إلى أن الأسرة المنكوبة كانت بحاجة إلى الدعم النفسي والطبي، لا إلى مزيد من المعاناة والعقوبات. وقال أحد المواطنين: "كيف يُعاقب رجل فقد ثلاثة من أبنائه بسبب عدم دفع مبلغ مالي؟ أليس من واجب المستشفى أن يكون ملاذًا للرحمة، لا سجنًا للإسعاف؟".
ويُنظر إلى هذه الحادثة على أنها نموذج صارخ لانهيار المنظومة الصحية في مناطق النزاع، حيث تُستخدم الخدمات الإنسانية كرهائن في صراعات إدارية ومالية، في وقت يُفترض أن تكون فيه الأولوية لإنقاذ الأرواح وتقديم الرعاية دون شروط.
منظمات حقوقية وإنسانية دعت إلى التدخل العاجل للإفراج عن سيارة الإسعاف، وطالبت بتحقيق مستقل في الحادث، مؤكدة أن منع وسيلة نقل طبية حيوية على خلفية متأخرات مالية يُعد انتهاكًا صارخًا للمبادئ الإنسانية والأخلاق الطبية، ويُعرض حياة العشرات للخطر.
وفي ظل استمرار تدهور الأوضاع في حجة، تبقى الأسرة المنكوبة رمزًا لمعاناة آلاف الأسر اليمنية التي تعيش بين كوارث طبيعية وسياسية، وبين تقصير دولة وقمع ميليشيا، في صمتٍ عالمي يُعمّق الجرح ويزيد من وطأة المأساة.