المشهد اليمني

من يشعل الصراعات بين القبائل..ولماذا؟

الثلاثاء 26 أغسطس 2025 03:03 مـ 3 ربيع أول 1447 هـ
من يشعل الصراعات بين القبائل..ولماذا؟

تعد المشاكل القبلية من المواضيع التي تلامس صلب التحديات في المجتمع اليمني، ويعاني منها في ظل سيطرة المليشيا الحوثية على العاصمة وعدد من المحافظات ..

وقد سمع الجميع خلال شهر واحد فقط ما حصل من إشعال صراعات بين قبيلة ذوصميم سفيان وبين ذو خيران العصيمات، والفتنة التي كادت ان تشتعل بين أرحب وبين خارف وعذر من حاشد ، وما حصل قبل أيام بين نهم وارحب ، وما يحصل بين قبائل دهم بالجوف وحتى ان الحوثيين ارسلوا عناصر لمحاولة إشعال الفتنة داخل وادي عبيدة في قلب الشرعية..

هذا فقط ما تناولته وسائل الإعلام لكن ما نعلمه هو أعمق من ذلك فجميع الفتن تقف خلفها مليشيا الحوثي حتى أنها عملت على إحياء الصراعات القبلية والنزاعات القديمة على مستوى الأُسر المختلفة وليس على مستوى القبائل فقط. فبعثت صراعات وخلافات بينية في إطار القرية والقبيلة الواحدة لها مئات السنين.

خصوصا في أوساط المحافظات التي تسكنها قبائل قوية متماسكة كمحافظات عمران والجوف وصنعاء وما جاورها، وغيرها الكثير.

في الواقع أن اشتعال هذه المشاكل وبعث الخلافات القديمة والمدفونة منذ زمن طويل ليس محض صدفة بل هو جزء أساسي من مخطط واستراتيجية حوثية.

دور السلالة في استمرار الصراع وهدف المليشيا:

ان بعث الخلافات والصراعات القبلية والبينية وتحريكها لتفريق القبائل وتشتيتها وتدمير الروابط الأخوية والاجتماعية بين المكونات المجتمعية الهدف منه تفكيك المجتمع، بحيث تبقى رابطة الحوثي هي الرابطة الوحيدة التي يجتمع الناس إجباريا حولها، إلى جانب استخدام الصراعات في تصفية حساباتها مع اليمنيين ببعضهم البعض.

تستخدم الإمامة الحوثية الانتماء السلالي الهاشمي كأداة لتبرير قيامها وادعاء حقها في الحكم. ولتحقيق ذلك، تقوم بتمزيق القبائل واثارة الصراعات لإثبات أن القبائل الأخرى غير مؤهلة أو غير قادرة على إدارة نفسها ولا تقبل القبيلة بعضها البعض، فضلا عن إمكان قبول المكونات القبلية ببعضها البعض وان الوحيدين الذي يمكن القبول بهم هم قبيلة السلالة.

كما تدرك المليشيا أن القبيلة القوية والمتحدة هي أكبر عقبة أمام سيطرتها المطلقة. لذلك، فإنها تعمل على تفتيت وحدة القبائل و إشغالها بالصراعات الداخلية وقطع الطريق امام اي امل للاجتماع والتوحد.

كما تتبع قيادة المليشيا الحوثية مبدأ "ألهِهم عني بأنفسهم": هذا هو سلاح المليشيا الفعال ضد القبائل فعندما تكون القبائل منشغلة بالنزاعات والثارات، فإنها لن تجد الوقت أو القوة لمواجهة عدوها الحقيقي المتمثل في المليشيا.

كما يوظفون الصراعات لتحقيق مخطط شيطاني اسمه "تحويل العداوة": فالمليشيا تسعى لتحويل عدو القبيلة من المحتل (الحوثي) السلالي المجرم إلى القبيلة المجاورة أو ابن العم. بذلك، يضمنون استمرار الفوضى وتأمين سيطرتهم، وضمان ان العدو الأساسي للقبيلي هو اخوه القبيلي وان العدو الأساسي لكل قبيلة هم القبائل المجاورة بينما يصبح العدو الذي يمتص حقوقهم ويسلب أرواحهم ودماءهم واموالهم المتمثل في الحوثي يصبح صديقا للجميع.

كما تعتبر اثارات الصراعات استراتيجية حوثية اخرى تستخدمها المليشيا لتجنيد المقاتلين من أبناء القبائل، ويضعونهم في معارك لا تخصهم، مما يؤدي إلى استنزاف طاقاتهم وإفقارهم وتدميرهم، فعندما تشعل الصراعات البينية يتنافس الأطراف المتصارعة على من هو الاكثر اخلاصا للحوثي لضمان عدم تفوق خصمه عليه بسبب علاقته بالحوثي، وبهذا يستغل الحوثي الطرفين معا وطلب اعطائه ابنائهم وقودا لمعاركه وتبدأ الأطراف كل واحد يريد أن يكون هو الأكثر دفعا بأبنائه خوفا من حقد الحوثي عليه ومكره به لصالح خصمه ان تساهل في الحشد.

زرع المشاكل وضرب القبائل ببعضها ليس شيئا طارئا في فكر وسلوك وثقافة الإمامة بل هو سلوك قديم حتى قال الكاهن الإمامي الكبير أحمد بن سليمان في القرن السادس الهجري أي قبل تسعمائة عام :

لأضربن قبيلة بقبيلة .. ولأملأن وديارهن نواحا.

وسار على نهجه الأئمة من بعده ومن ضمنهم الإمام الحوثي .

زرع الثأرات نبتة شيطانية تزرعها يد مجرمة:

المشاكل البينية التي يشعلها الحوثي في اوساط القبائل لا تدمر حياتهم الدنيوية فحسب بل تجعل مجموعة من الناس ضد أخرى ويخلق ثأرات تنسيهم تماما أن أساس المشاكل وباعثها هو الحوثي وتتأسس بينهم ثارات تمنح الصراعات دفعا واستمرارا ذاتيا.

فالإسلام يحرم الثأر لأنه قائم على الظلم والعدوان والقتل بدافع عصبوي ظالم، ويعتبره جريمة وفعل من افعال الجاهلية، و اقر مبدأ المسؤولية الشخصية وقال "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، هذا هو المبدأ القرآني الأساسي. والقصاص يقع فقط على القاتل، وليس على أبناء قبيلته أو أسرته. فالقتل على "الاسم" أو "النسب" هو ظلم عظيم ومخالفة صريحة للشريعة الإسلامية.

فالقصاص في الإسلام لا يكون إلا من شخص القاتل ولا ينتقل الى اي احد اخر لنسبه أو قرابته بل هو حق خاص يطبق على شخص القاتل فقط.

كما يؤدي الثأر إلى مآسٍ إنسانية لا تنتهي؛ منها تمزيق النسيج الاجتماعي وتدمير مستقبل الأجيال بدون ضرورة شرعية، وفي نفس الوقت فإنه في القضايا الاجتماعية يشجع الإسلام على العفو ويدعو إلى الصلح، وجعل الله فيه أجرًا عظيمًا والتزم سبحانه بنفسه بأجر العفو والصلح.

ولكن لأن فلسفة جماعة الحوثي وسلوكها دموي اجرامي فهي تفجر الصراعات الدموية وتنشر الأحقاد والضغائن وتزرع الثأرات بلا مبالاه.

فالعدو الحقيقي ليس اخوك الذي في قبيلتك او القبيلة الأخرى، بل هو الحوثي الذي يستبيح المحرمات، ويمزق الشعب ، ويشعل الحروب، لأن ثقافته قائمة أساسا على الحرب والقتل والبغي وقد أمر الله بمقاتلة الفئة التي تبغي فقط ولا أحد اليوم أشد بغيا من الحوثي.

ادعو الجميع أن يكونوا على بصيرة ووعي بمخططات المليشيا الخبيثة، وأن يدركوا أن الوحدة وثقافة الأحلاف ومبادئ الإخاء هي الأساس في المجتمع الواحد وفي اطار المجتمعات القبلية، وأنها السلاح الفعال، في مواجهة أي احتلال أو تآمر أو بغي واجرام ، وهو ما يدركه كهنة السلالة ويعملوا على تقويضه بين القبائل.