المشهد اليمني

”الخضرنة” الحوثية: نسخة محدثة من القطرنة الإمامية بلون القهر والذل والابتزاز

الجمعة 5 سبتمبر 2025 09:15 مـ 13 ربيع أول 1447 هـ
بعض الصور المتداولة لـ"الخضرنة"
بعض الصور المتداولة لـ"الخضرنة"

في مشهد يعيد إنتاج أسوأ صور الإذلال التاريخي، فرضت مليشيات الحوثي على المواطنين في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرتها ما بات يُعرف بـ"الخضرنة"، وهي حملة إلزامية لإطلاء واجهات المحال التجارية والسيارات ووسائل النقل بالطلاء الأخضر، وتعليق الزينة الخضراء، تزامنًا مع فعالياتها الطائفية تحت مسمى الاحتفال بالمولد النبوي.

الصور التي انتشرت من ميدان السبعين وساحات عامة أخرى أظهرت مئات الأطفال والشباب وكبار السن بأجساد مطلية بالطلاء الأخضر، ووجوههم ورؤوسهم وأيديهم مغطاة باللون نفسه، فيما ارتدى آخرون ملابس خضراء مزينة بأضواء طويلة، في مشاهد طافحة بالتشوه البصري، والإهانة العلنية، والاستمتاع السلالي بهذه المناظر المذلة.

وتحت السيطرة الحوثية، تحولت صنعاء التي لا زالت تنادي على اليمنيين ليلا ونهارا لإنقاذها وتنتظر ساعة الخلاص ، تحولت إلى لوحة مزيفة من الطقوس الطائفية يئن تحت وطأتها الفقراء والجوعى والمعوزين المنهوبين.

السلوك الحوثي يُعيد إلى الأذهان ما كان يُعرف في عهد الإمامة باسم "القطرنة"، حيث كان الإمام أحمد حميد الدين يجبر اليمنيين على صبغ وجوههم بزيت القطران لمعرفة المعارضين لسلطته. واليوم، يمارس الحوثي نسخة حديثة من ذلك، باسم "الخضرنة"، قسريًا على السكان، ويفرض عليهم امتثالاً للون وللزينة، وكل من يرفض يواجه اتهامات بالعمالة والزندقة والخيانة.

إعلاميون وكتّاب وناشطون تابعهم "المشهد اليمني"، أشاروا إلى أن الحوثيين لا يهمهم الدين ولا الاحتفاء بالمولد النبوي، بقدر ما تهتم لهم جبايات الأموال، وخلق هالة من التقديس للسلالة الحوثية، وتحويل المواطنين إلى أدوات طيعة تطيع أوامرهم بالقوة.

وزير الإعلام معمر الإرياني وصف المشاهد بأنها ليست طقوسًا عبثية، بل استمرار للنهج القسري ذاته الذي عرفه اليمنيون في العهود السابقة، مؤكدًا أن الهدف هو فرض مشروع استبدادي، وترويع الناس، وضمان الخضوع الكامل. وقال، في تدوينة رصدها "المشهد اليمني" إن : "هذه الصور ليست بريئة، إنها تعكس عقلية سلطوية تريد فرض مشروعها بالقوة والخوف، ووعي اليمنيين هو السد المنيع أمام كل محاولة لترسيخ الاستبداد."

الناشط حسين الأصبحي اعتبر أن "الخضرنة" وسيلة لقياس مدى تبعية المغفلين والجهلة، فيما رأى الكاتب محمد الضبياني أن الهدف الحقيقي للحوثي هو إيصال الناس إلى قعر الجهل والتخلف، مؤكدًا أن الاحتفاء بالمولد النبوي وفق النموذج الحوثي لا يمت بصلة إلى أخلاق النبي ولا إلى رسالته، بل هو انحدار في هوة العبودية لعبدالملك الحوثي.

أما الكاتب أمين سفيان، فقد شبّه ما يحدث اليوم بما كان يحدث في مواسم القطرنة الإمامية، حين كان الفلاحون والتجار يُجبرون على دفع الجبايات باسم الدين، ويخرجون منكسرين يلعنون الظلم. لكنه أشار إلى أن "الخضرنة" اليوم ليست مجرد مال يُسلب، بل إذلال علني، وإجبار على التزيّن بلون القهر، ولو كانت القلوب تنزف جوعًا.

الصحفي أحمد الشميري أكد أن القطرنة واللون الأخضر لم يأتيا مع الحوثي، بل هما أدوات كهنوتية سلالية متوارثة، مشيرًا إلى أن أجداد الحوثي قطرنوا أبناء الحديدة، واليوم يقطرنون الشعب اليمني بأكمله، ويسرقون أموالهم، بل إن من يتقطرن طوعًا لا ينجو من السجن إن لم يدفع.

في ظل هذا المشهد، يمنع الحوثي رفع العلم الوطني في ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، لكنه يفرض شراء الطلاء الأخضر، ليحوّل صنعاء إلى حوزة إيرانية خالصة، ويحوّل الدين إلى أداة إذلال، والاحتفال إلى مناسبة للنهب، واللون الأخضر إلى قناع يخفي وجه القهر.

إنها ليست احتفالية دينية، بل طقوس إذلال جماعي، تُفرض على الناس بالقوة، وتُستخدم لقياس الولاء، ونهب الجيوب، وسحق الكرامة. إنها قطرنة إمامية على الطريقة الحوثية، بلون جديد، وبقهر أعمق.

وتفاعل يمنيون وناشطون مع هذه المشاهد التي وصفوها بأنها "طقوس إذلال جماعي"، مؤكدين أن ما يجري في صنعاء لم يعد احتفالًا دينيًا، بل استعراضًا قسريًا لسلطة غاشمة تُمعن في إذلال الناس، وتُحكم قبضتها على أرواحهم وأرزاقهم وحتى ألوانهم.

وأشاروا إلى أن "الخضرنة" ليست مجرد طلاء أو زينة، بل وسيلة لفرز الناس بين تابع ومتهم، بين من يرضى بالذل ومن يرفضه، مؤكدين أن صمت اليمنيين يُطيل عمر هذا القبح، ويمنح الجماعة مزيدًا من الوقت لتجريف ما تبقى من كرامة وهوية.

ودعا ناشطون تحدثوا لـ"المشهد اليمني"، إلى تحرك شعبي ورسمي واسع لإنقاذ الأجيال القادمة، واستعادة العاصمة المختطفة، مؤكدين أن صنعاء ليست حوزة، ولا ساحة طقوس، بل عاصمة التاريخ والجمهورية، ولا تستحق أن تُهان تحت أقدام السلالة الكهنوتية.

وشددوا على أن تحرير صنعاء من هذا القيد الأخضر، ومن مشروع الإذلال والنهب، بات ضرورة وطنية، وأن وعي اليمنيين ومقاومتهم هو السد المنيع أمام كل محاولة لترسيخ الاستبداد على أرضهم، والتسلط على رقابهم.

يصف يمنيون كل لحظة تمر وصنعاء رازحة تحت قبضة المليشيات الحوثية، بأنها لحظة سقوط أخلاقي في سجل الجمهوريين، وعار في جبين كل من آمن بثورة سبتمبر ومبادئها، لن يمحوه إلا التحرير والتطهير.

إن استمرار اختطاف صنعاء، ليس مجرد حدث سياسي، بل أعمق جرح مفتوح في جسد اليمن الكبير، وامتحان يومي لضمير كل يمني حر.

وتبقى الحرقة في صدور اليمنيين، ويظل السؤال معلقًا في وجه الزمن: فإن لم يكن اليوم هو يوم التحرك، فمتى؟ وإن لم تُمدّ الأيدي لإنقاذ الأبناء من قيد الجهل والتبعية، فمن يفعل؟ وإن لم تُرفع راية سبتمبر في وجه السلالة، فأي راية ستبقى للأبناء؟.

هكذا يعبّر ناشطون يمنيون عن غضبهم، مؤكدين أن الصمت لم يعد خيارًا، وأن كل لحظة تمر دون مقاومة هي خيانة لدماء الأحرار، وتواطؤ مع مشروع لا يرى في اليمنيين سوى أدوات طاعة ووقود حرب.