المشهد اليمني

خبير اقتصادي يكشف عن صراع صلاحيات بين الحكومة ومحافظ البنك المركزي

الإثنين 8 سبتمبر 2025 01:09 صـ 16 ربيع أول 1447 هـ
محافظ البنك المركزي ورئيس الحكومة
محافظ البنك المركزي ورئيس الحكومة

في تطور خطير يهدد الاستقرار المالي والسياسي في المناطق الخاضعة للحكومة اليمنية، كشف الصحفي والخبير الاقتصادي البارز ماجد الداعري، مساء اليوم السبت، عن تفاصيل مثيرة لأزمة تعثر صرف مرتبات الجيش والموظفين للشهر الرابع على التوالي، مؤكدًا أن الأزمة لم تعد تقنية أو مالية فحسب، بل تحولت إلى صراع نفوذ حاد بين الحكومة ومحافظ البنك المركزي أحمد غالب المعبقي، وصل حد ما وصفه بـ"الحرب الباردة" على خلفية الصلاحيات، واستقلالية البنك المركزي، وأولويات الصرف.

وأوضح الداعري، في تقرير استقصائي رصده "المشهد اليمني" عبر حسابه الرسمي على فيسبوك، أن جذور الأزمة تكمن في رفض المحافظ المعبقي القاطع لثلاثة خيارات رئيسية عرضتها الحكومة لتمويل صرف المرتبات، واصفًا إياها بأنها "خيارات تضخمية كارثية" من شأنها أن تُعيد الاقتصاد اليمني إلى حافة الانهيار النقدي، وتُهدر الجهود الكبيرة التي بُذلت في الفترة الأخيرة لتحقيق استقرار سعر صرف الريال أمام العملات الأجنبية.

الخيارات الثلاثة المطروحة... والرفض المطلق من البنك المركزي

الخيار الأول: العودة إلى "السحب بالمكشوف" تسعى الحكومة إلى إجبار البنك المركزي على استئناف سياسة السحب من الحساب الحكومي "المكشوف"، وهو حساب يُقدّر بعجز فادح يتجاوز تريليونات الريالات، تم استخدامه في فترات سابقة لتمويل النفقات العامة. لكن المعبقي يرفض هذا الخيار بشدة، مشيرًا إلى أنه يُعدّ "انتحارًا اقتصاديًا"، ويُهدد بانهيار العملة من جديد. ويشترط المحافظ على الحكومة أولاً سد جزء من هذا العجز، أو تأمين مصادر دخل ثابتة تُمكن البنك من الوفاء بالتزاماته الدولية، خاصة تجاه صندوق النقد الدولي.

الخيار الثاني: الاستيلاء على احتياطيات البنوك التجارية تطرح الحكومة اقتراحًا مثيرًا للجدل يتمثل في استخدام البنك المركزي للاحتياطيات الإلزامية للبنوك التجارية، بالإضافة إلى مكاسب تحسن سعر الصرف، لتمويل صرف المرتبات. لكن هذا الخيار يُلقى برفض قاطع من البنك المركزي، الذي يرى فيه "تعديًا على ملكية خاصة"، ويُعدّ انتهاكًا مباشرًا للاستقلالية المالية. ويُشير المعبقي إلى أن هذه الأموال لا تعود للدولة، بل هي أموال مملوكة للبنوك، ويجب ألا تُستخدم كمصدر تمويل للعجز الحكومي. كما يُذكّر بأن الحكومة نفسها عاجزة عن إلزام أكثر من 147 جهة حكومية بنقل إيراداتها إلى خزينة البنك المركزي، بل تُوجّهها إلى بنوك تجارية وشركات صرافة، ما يُحرم البنك من أهم مصادر السيولة.

الخيار الثالث: طباعة العملة المحتجزة في الموانئ الخيار الأكثر إثارة للجدل هو الضغط لصرف المرتبات من العملة المطبوعة سابقًا والمحتجزة في موانئ عدن وجدة والمكلا، والتي تُقدر بمليارات الدولارات. الحكومة ومؤيدوها يرون أن هذه الأموال يجب أن تُستخدم فورًا لإنقاذ موظفي الدولة من الجوع، وتنفيذ واجبها الأساسي. لكن البنك المركزي يصف هذا الخيار بأنه "نقطة اللا عودة"، و"كارثة مالية حقيقية"، لأن ضخ هذه الأموال دون غطاء نقدي كافٍ سيُعيد البلاد إلى دوامة التضخم، ويفتح الباب أمام مضاربات "الهوامير"، ويُفقد الثقة في العملة الوطنية، التي بدأت تشهد تحسنًا نسبيًا في السعر.

صراع أعمق: من يتحكم في أولويات الصرف؟

ولم يقف التقرير عند الأزمة التمويلية، بل كشف عن صراع أعمق على الصلاحيات والسياسات، حيث تشكو الحكومة من تجاوزات يُمارسها محافظ البنك المركزي، تتمثل في صرف تعزيزات مالية لتغطية بنود خارج أولوياتها، ودعم جهات مثل وزارة الدفاع ومؤسسات عسكرية أخرى، رغم أنها لا تُعدّ من الأولويات الاقتصادية في نظر الحكومة المدنية.

في المقابل، يُبرر المعبقي موقفه بأن الحكومة "مديونة، عاجزة، ولا تُقدم الإيرادات"، وبالتالي لا يحق لها أن تفرض أولوياتها على حساب استقلالية البنك المركزي، الذي يضطلع حاليًا بمهام تتجاوز دوره التقليدي، ويشمل مهامًا تنفيذية ومالية تقع في صلب اختصاصات وزارة المالية والحكومة.

نفق مسدود: لا حل دون تدخل رئاسي مباشر

يُحذر الداعري من أن الوضع وصل إلى نفق مسدود، وأن كلا الطرفين – الحكومة والبنك المركزي – يمتلكان مبررات قانونية وإدارية مقنعة، لكن هذه المبررات "لا تعبأ بمعاناة المواطن"، وتُغيب أولوية الواجب الأساسي للدولة: صرف رواتب موظفيها وجنودها.

ويشير إلى أن الحل الوحيد الممكن لا يكمن في التفاوض بين الطرفين، بل يتطلب تدخلًا مباشرًا من مجلس القيادة الرئاسي، الذي يُعدّ الجهة العليا في الدولة، ويملك النفوذ الكافي لإلزام الجهات الحكومية بتوريد إيراداتها إلى البنك المركزي، وتقديم الضمانات الكاملة للمحافظ كي يُمارس مهامه دون خوف من انتقام سياسي أو قانوني.

ويُحذر التقرير من أن أي محاولة لحل الأزمة عبر إقالة محافظ البنك المركزي ستكون كارثية، نظرًا للدعم الدولي الكبير الذي يتمتع به المعبقي من جهات فاعلة مثل صندوق النقد الدولي ومجلس التعاون الخليجي، الذين يراهنون عليه كضمانة للاستقرار المالي، وضد التدخلات السياسية في الشأن النقدي.

"الحل بيد مجلس القيادة... حيث يكمن العطل والفساد والخراب"

في ختام تقريره الحاد، وجه الداعري رسالة مباشرة إلى الشعب اليمني، قال فيها:

"وبالتالي فالحل بيد مجلس القيادة الرئاسي، حيث يكمن العطل والفساد والخراب أيها الشعب المنكوب.. والله على ما أقول شهيد."

وأضاف: "الموظف لا يملك راتبه، والجندي لا يُكافأ على تضحياته، والمواطن يُجبر على دفع ثمن صراعات النخبة. أما البنك المركزي فيُحاصَر بين واجب الاستقرار النقدي وانهيار الدولة، والحكومة تُماطل وتُحمّل الآخرين تبعات عجزها."

مآلات الأزمة: هل نحن على حافة انهيار مالي جديد؟

يُشير مراقبون اقتصاديون إلى أن استمرار هذه الأزمة سيؤدي إلى انهيار معنويات الجيش، وزيادة الانشقاقات، وتفاقم الأوضاع الإنسانية، وقد يُشعل احتجاجات شعبية واسعة في المدن الخاضعة للحكومة. كما أن تعطيل صرف المرتبات يُهدد بتمدد النفوذ المالي للبنوك غير الرسمية، وشركات الصرافة، ويعزز من الاقتصاد الموازي، مما يُضعف الدولة أكثر.

ويُجمع الخبراء على أن اليمن يمر بواحدة من أخطر الأزمات الاقتصادية والسياسية في تاريخه الحديث، وأن حل الأزمة ليس اقتصاديًا فحسب، بل يتطلب إرادة سياسية عليا، وتصحيحًا جذريًا لمسار إدارة الموارد، ووقف توزيع الأولويات على أساس المحاصصة والولاءات.