”أبناؤكم وُجدوا!”.. كذبة تقود آلاف العائلات إلى فخ النصب المالي تحت غطاء ”البحث عن المفقودين”

في لحظات القلق والانهيار العاطفي، يصبح الإنسان أكثر عرضة للانخداع. لكن ماذا لو استغلّت عصابات احتيال هذه اللحظات الحاسمة لسرقة الأمل قبل المال؟ كشفت مصادر محلية يمنية عن شبكة منظمة من المحتالين تنتشر بسرعة مقلقة، تستهدف أسر المفقودين عبر منصات التواصل الاجتماعي ومواقع البحث، مستغلة مشاعر الأهل المكلومة للنيل من مدخراتهم تحت دعوى "إعادة المفقود".
وبحسب إحصائية أولية رصدتها جهات متابعة لظاهرة اختفاء الأشخاص، ارتفعت بلاغات الاحتيال المرتبطة بحالات فقدان الأشخاص بنسبة تجاوزت 70% خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وفق ما أكّدته مصادر أمنية غير رسمية.
تفاصيل الحادثة: نصب منظم تحت غطاء "الإغاثة الإنسانية"
بعد كل منشور ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي عن شخص مفقود — سواء طفل، شاب، أو مسن — لا تمر ساعات قليلة حتى يتلقى ذويه اتصالات من أرقام مجهولة أو وهمية، يدّعي أصحابها أنهم "شاهدوا" المفقود في منطقة معينة، أو أنهم "على اتصال به"، أو حتى أنهم "يساعدونه الآن".
في البداية، تبدو الاتصالات مشجعة، بل ومُريحة نفسيًا، حيث يُطمئن المحتالون الأهل بعبارات مثل:
"لا تقلق، ابنكم بخير، نحن نعرف مكانه، فقط نحتاج مبلغًا بسيطًا لنقله أو تصويره لنا".
لكن السيناريو يتطور سريعًا: يُطلب تحويل مبلغ مالي — غالبًا ما يتراوح بين 500 إلى 3000 ريال سعودي (أو ما يعادلها بالعملة المحلية) — بحجة "تكاليف التنقل" أو "تصوير المفقود لإثبات وجوده"، أو حتى "دفع كفالة لاستعادته من جهة غير قانونية".
بمجرد اكتمال التحويل، يختفي المحتالون تمامًا. لا رد على المكالمات، ولا أثر للرسائل، ولا أي دليل على وجود الشخص الذي زُعم أنه شوهد.
شهادات صادمة من أسر وقعت ضحية الاحتيال
تقول السيدة "أم خالد"، التي فقدت ابنها البالغ من العمر 19 عامًا منذ أسبوعين:
"في اليوم الثالث، اتصلت بي سيدة قالت إنها رأت خالدًا في محطة وقود بالحدود الشمالية، وعرضت إرسال صورة له مقابل 800 ريال. كنت مترددة، لكن الأمل كان أكبر من العقل. دفعت، ولم أتلقَ شيئًا. وبعد ذلك، توقف الرقم عن العمل."
وأضافت: "كل مكالمة تأتي بعدها تشعرني بالرعب. لا أعرف من أصدق بعد الآن."
وفي حالة أخرى، أبلغت عائلة عن تلقيها أكثر من 12 اتصالاً من أرقام مختلفة خلال 48 ساعة، كل منها يدّعي امتلاك معلومات عن ابنتهم المفقودة، وكلها طلبت أموالاً، في محاولة واضحة لاستنزاف العائلة نفسياً ومادياً.
كيف تعمل العصابات؟ وأين تكمن الثغرة؟
المحللون الأمنيون يشيرون إلى أن هذه العصابات تعتمد على:
- تحليل البيانات في الوقت الفعلي: تستخدم أدوات رصد تلقائية تُنبّهها فور نشر أي منشور عن مفقود.
- أرقام وهمية أو مُستأجرة: عبر تطبيقات توفر أرقامًا مؤقتة، ما يصعّب التتبع.
- تمثيل أدوار متقن: بعض المحتالين يستخدمون لهجات محلية، ويُدخلون تفاصيل دقيقة (مثل اسم الشخص أو ملابسه) مستمدة من المنشور نفسه لتعزيز المصداقية.
وبحسب خبير أمن معلومات:
"الثغرة ليست تقنية فقط، بل نفسية. العائلات في حالة هيستيرية، وتُعدّ أي معلومة بمثابة نجاة. هذا ما تستغله هذه الشبكات بذكاء مقلق."
تحذير رسمي ونصائح وقائية
دعت الجهات الأمنية المواطنين إلى عدم التسرع في تحويل أي أموال بناءً على اتصالات غير موثوقة، وحثّت على:
- الإبلاغ الفوري عن أي اتصال مشبوه عبر الرقم الموحّد للبلاغات.
- عدم مشاركة تفاصيل دقيقة عن المفقود في المنشورات العامة (مثل الملابس، العلامات الجسدية، أو أماكن تردده).
- التأكد من هوية المتصل عبر الجهات الرسمية قبل اتخاذ أي خطوة.
كما أطلقت وزارة الداخلية مؤخرًا حملة توعوية تحت شعار "لا تدفع الأمل ثمنًا للنصب"، تركز على حماية المتضررين من الجرائم السيبرانية المرتبطة بحالات الاختفاء.