المشهد اليمني

لغز صخرة النصلة في السعودية .. بين الأساطير الشعبية والتفسيرات العلمية

الأربعاء 10 سبتمبر 2025 09:54 مـ 18 ربيع أول 1447 هـ
صخرة النصلة في السعودية
صخرة النصلة في السعودية

في قلب صحراء تيماء بمحافظة تبوك شمال السعودية، تقف صخرة عملاقة انقسمت إلى نصفين بدقة هندسية مدهشة، جعلت منها واحدة من أبرز الألغاز الجيولوجية في العالم، تُعرف باسم "صخرة النصلة" أو "الصخرة المشطورة"، وقد حيّرت الباحثين وعلماء الجيولوجيا لعقود، حتى صارت رمزًا يجمع بين الأسطورة والعلم والسياحة.

صخرة تتحدى التفسير العلمي

تُشبه صخرة النصلة لوحة طبيعية بديعة، فهي تتألف من كتلتين ضخمتين من الحجر الرملي، ترتكزان على قواعد صخرية صغيرة، وتبدو وكأنها تطفو في الهواء بتوازن مثالي. الفاصل الذي يقسمها إلى نصفين يتسم باستقامة ودقة غير مألوفة، وكأنه نتاج آلة حديثة كالليزر، ويبلغ ارتفاع الصخرة نحو 6 أمتار، وطولها قرابة 9 أمتار، بينما يصل عرضها إلى 8 أمتار، وقد تشكّلت بفعل عوامل التعرية والرياح على مدى ملايين السنين.

صخرة النصلة في السعودية

ورغم أن التكوينات الصخرية الغريبة شائعة حول العالم مثل أولورو في أستراليا وجسر العمالقة في أيرلندا، إلا أن ما يميّز صخرة النصلة أنها تبدو وكأن يدًا بشرية أو قوة خارقة شطرتها بهذه الدقة، وهو ما جعلها محل جدل واسع بين الجيولوجيين ومحبي الأساطير.

شهادات العلماء: بين الانبهار والتحليل

يصف الدكتور عبد العزيز بن عبد الله بن لعبون، رئيس مجلس إدارة جمعية الجيولوجيين السعوديين، هذه الصخرة بأنها "معجزة طبيعية"، ويؤكد أن انقسامها حدث منذ آلاف السنين، ويستدل على ذلك من خلال النقوش الصخرية المنفصلة على جانبيها، التي تعود إلى نحو 15 ألف عام، ما يعني أن الانشطار وقع قبل أن يبدأ الإنسان القديم في نقش رموزه عليها.

صخرة النصلة في السعودية

ويرى بن لعبون أن حركة بسيطة في قاعدة الصخرة ربما تسببت في هذا الانقسام، حيث يرتكز الجانب الأيسر على قاعدة أضعف مقارنة بالجانب الأيمن الأكثر صلابة.

ألغاز وأساطير حول النصلة

منذ اكتشافها رسميًا عام 2010 على يد الهيئة السعودية للسياحة، أصبحت الصخرة محورًا للكثير من القصص الشعبية، فقد ربطها البعض برواية ناقة النبي صالح الواردة في القرآن الكريم، بينما تداول آخرون حكايات عن أن الفارس الشهير عنترة بن شداد كان يربط حصانه عندها ليلتقي بمحبوبته عبلة.

بل وذهبت بعض التخمينات إلى أبعد من ذلك، إذ نُسب انقسامها إلى قوى خارقة، أو حتى إلى الكائنات الفضائية التي يُقال إنها تركت بصمتها في أماكن مختلفة من العالم، ورغم الطابع الأسطوري لهذه الحكايات، فإنها ساعدت في تعزيز شهرة الصخرة وجعلها مقصدًا للزوار من مختلف أنحاء العالم.

التفسيرات العلمية للانشطار

حاول العلماء تقديم تفسيرات واقعية لهذه الظاهرة، من أبرزها:

  • التجوية الطبيعية: بحسب عالمة الجيولوجيا شيري لويس من جامعة بريستول، قد يكون الانقسام نتاج عمليات التجمد والذوبان، حيث تتسرب المياه إلى الشقوق الصغيرة داخل الصخور، ثم تتجمد وتتمدد مع انخفاض درجات الحرارة، مما يؤدي إلى اتساع الشق تدريجيًا عبر آلاف السنين حتى ينقسم الصخر.

  • إطلاق الضغط والتوسع: يرى البروفيسور تيم ريستون من جامعة برمنغهام أن الانشطار ربما نتج عن عملية طبيعية تُعرف بـ"إطلاق الضغط"، عندما تُترك الصخور مكشوفة بعد تآكل الطبقات المحيطة بها، فتتشقق تدريجيًا حتى تنقسم.

  • التعرية الريحية: هناك فرضية أخرى تفيد بأن الرياح والرمال والمياه على مر ملايين السنين قد نحتت الصخرة وأضعفت بنيتها حتى انقسمت بشكل يبدو منتظمًا ودقيقًا.

صخرة النصلة مقارنة بتشكيلات عالمية

يشبّه العلماء صخرة النصلة بتكوينات مشابهة حول العالم، مثل صخرة التفاحة المنقسمة في نيوزيلندا، وهي كتلة غرانيتية انشقت بفعل العوامل الطبيعية نفسها، لكن النصلة تبقى أكثر إثارة للجدل بسبب موقعها الفريد في قلب الصحراء السعودية وشكلها الهندسي شبه المثالي.

صخرة النصلة في السعودية

كنز جيولوجي وسياحي

لم تعد صخرة النصلة مجرد لغز جيولوجي، بل أصبحت اليوم وجهة سياحية بارزة في السعودية، تجذب الباحثين والمهتمين بالتراث والسياحة الطبيعية، النقوش المحفورة على جانبيها، التي تُظهر حيوانات وطيورًا وزواحف ورسومات بشرية، تجعلها أيضًا سجلًا تاريخيًا يوثق حياة السكان قبل آلاف السنين، ودليلًا على أن المنطقة كانت محطة مهمة للقوافل والمسافرين عبر الصحراء.

العلم والأسطورة في مواجهة اللغز

رغم كثرة النظريات العلمية، يبقى انقسام صخرة النصلة بدقته المتناهية لغزًا لم يُحسم تمامًا، وبينما يواصل العلماء البحث عن التفسير النهائي، ستظل الأساطير الشعبية والقصص التاريخية تضفي على هذا التشكيل الصخري جاذبية خاصة، تجعل منه أحد أعاجيب السعودية الطبيعية التي تقف شاهدة على تلاقي الخيال مع العلم.

المشهد الأخير

صخرة النصلة ليست مجرد حجر منقسم، بل هي قصة ممتدة عبر الزمن، من حكايات البحّارة والقوافل إلى أبحاث العلماء ونظريات الجيولوجيين، وإنها تذكير دائم بأن كوكبنا ما زال يحمل أسرارًا لم تُكتشف بعد، وأن الطبيعة قادرة على صياغة مشاهد تتجاوز حدود خيال البشر.