”رحلة 20 عامًا من الأمية إلى شهادة الثانوية: قصة أم يمنية هزّت العالم العربي!”

في قصة كفاح استثنائية تخطت الزمن والظروف، أثبتت امرأة يمنية أن الإرادة الحقيقية لا تعرف سنًا ولا حدودًا، حيث أعلنت نجاحها في امتحانات الشهادة الثانوية العامة للعام الدراسي 2025، لتُصبح خريجة في نفس العام الذي أنهى فيه حفيدها يوسف مرحلته الثانوية، في مشهد إنساني مؤثر يجسد معنى التحدي، والإصرار، وقيمة التعليم كوسيلة لتمكين الإنسان.
الحدث الملفت جاء على لسان البروفيسور مروان ذمرين، الأستاذ المحاضر بجامعة أوساكا المرموقة في اليابان، الذي نشر منشورًا مؤثرًا على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"، أعلن فيه عن نجاح والدته بعد رحلة طويلة من الكفاح امتدت قرابة العقدين، قائلًا:
"أمي نجحت في الثانوية العامة.. أرفع لها القبعة احترامًا وإجلالًا. هي التي أنجبتني، وربّتني، وعلّمتني أولى دروس الحياة، وكانت دائمًا القوة الدافعة وراء كل خطوة ناجحة في حياتي."
بداية الحلم: صدمة في مطار اليابان تُشعل شرارة التحدي
ترجع جذور هذه الرحلة الملهمة إلى عام 2006، حين سافرت والدة البروفيسور ذمرين وحيدةً إلى اليابان لتقديم الدعم لابنها خلال فترة ولادة حفيدها الأول. هناك، واجهت موقفًا أليمًا لم تكن تتوقعه: عجزها عن فهم استمارات الدخول المكتوبة باللغتين الإنجليزية واليابانية، ما جعلها تشعر بالإحباط والحرج أمام الموظفين والمسؤولين.
لكن تلك اللحظة، بدلاً من أن تكون نقطة ضعف، تحولت إلى نقطة انطلاق. قالت لنفسها آنذاك:
"لن أسمح للغة أو الجهل بأن يقف بيني وبين حقوقي. سأتعلم، وسأكمل تعليمي مهما طال الزمان، ومهما كانت الصعوبات."
رحلة محو الأمية في ظل الحرب والمسؤوليات
بعد عودتها إلى اليمن، بدأت المرأة، التي لم تُكمل تعليمها في طفولتها بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة وقتها، رحلة محو الأمية من الصفر. ومع تصاعد الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصعبة في البلاد، وتفاقم تداعيات الحرب، لم تكن الطريق سهلة.
بين رعاية الأسرة، وتربية الأحفاد، وغياب البنية التعليمية المستقرة، واجهت كثيرًا من العقبات. لكنها، بعزيمة لا تلين، رفضت الاستسلام. درست ليلاً ونهارًا، واستغلت كل فرصة متاحة، سواء عبر مراكز محو الأمية أو من خلال الدروس الذاتية، حتى أصبحت قادرة على القراءة والكتابة، ثم التقدم تدريجيًا نحو إنهاء المناهج الأساسية والثانوية.
لحظة الفخر: تخرج الأم والحفيد في العام نفسه
في عام 2025، كُتبت نهاية مشرقة لهذه القصة، حيث أُعلن عن نجاحها في امتحانات الثانوية العامة، في نفس الوقت الذي تخرج فيه حفيدها يوسف من المرحلة الثانوية. صورة رمزية مؤثرة، تجمع بين جيلين من عائلة واحدة، يختتمان مرحلة تعليمية في يوم واحد، وكأن التاريخ يعيد نفسه، ولكن هذه المرة بلغة النجاح والانتصار.
وصف البروفيسور مروان ذمرين هذه اللحظة بأنها "أعظم لحظة فخر في حياته"، مؤكدًا أن والدته لم تكن فقط مصدر إلهام له شخصيًا، بل أصبحت رمزًا للأمل لكل من يعتقد أن العمر قد فات على التعلم.
"هي لم تتعلّم فقط لكي تحصل على شهادة، بل لتثبت أن الإنسان، مهما كبر عمره، يمكنه أن يبدأ من جديد. إنها رسالة لكل أم، وكل امرأة، وكل مواطن يعيش في ظل ظروف قاسية: لا شيء مستحيل إذا توفرت الإرادة."
قصة إلهام تتجاوز الحدود
تُعد هذه القصة نموذجًا حيًا على قدرة التعليم على تمكين الإنسان، وتحويل الألم إلى طاقة إيجابية، والتحدي إلى إنجاز. كما أنها تسلط الضوء على أهمية دعم محو الأمية، خاصة بين النساء وكبار السن، في المجتمعات التي تعاني من تراجع في الخدمات التعليمية.
وقد تلقى منشور البروفيسور تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تداوله آلاف المغردين.
رسالة خالدة: العمر ليس عائقًا أمام الحلم
في عالم يسرع نحو المستقبل، تأتي قصة هذه الأم لتذكرنا بأن القيم الإنسانية كالإصرار، والتضحية، والرغبة في التعلم، تبقى هي العمود الفقري لأي تقدم حقيقي. وهي دعوة صريحة للمؤسسات التعليمية والمجتمعات العربية لإعادة النظر في سياساتها تجاه التعليم مدى الحياة، ودعم برامج التعليم البديلة لكبار السن.
اليوم، لم تعد والدة البروفيسور مروان مجرد "طالبة ناجحة"، بل أصبحت رمزًا حيًا للإرادة، ومصدر إلهام للأجيال، ودليلًا حيًا على أن الحلم لا يموت… ما دامت الروح تنبض بالإصرار.