المشهد اليمني

التحالف الإسلامي الشامل: فرض الوقت ومخرج الأمة من المأزق التاريخي

الخميس 11 سبتمبر 2025 09:41 صـ 19 ربيع أول 1447 هـ
التحالف الإسلامي الشامل: فرض الوقت ومخرج الأمة من المأزق التاريخي

قراءة في فتوى ناضجة

منذ عقود، والعالم الإسلامي يرزح تحت وطأة التمزق السياسي والتبعية الاقتصادية والانكشاف العسكري، في وقت تتكتل فيه قوى الاستكبار الدولي، وتعزز تحالفاتها، وتفرض إرادتها على الأمم والشعوب، دون اعتبار لحق، أو احترام لسيادة، أو التزام بشرعة دولية.

ومن قلب هذه النوازل المتراكمة، تبرز فتوى العلامة الدكتور اليمني فضل مراد، لتضع إصبع الفقه المعاصر على الجرح، وتعلنها بوضوح لا لبس فيه: إنشاء تحالف إسلامي عسكري وسياسي واقتصادي شامل، ليس خيارا دبلوماسيا، بل فرضٌ شرعيٌ وضرورة وجودية.

والشاهد ليست هذه الدعوة إلى التحالف الإسلامي ترفا فكريا أو اجتهادا سياسيا، بل هي استجابة مباشرة لنصوص قطعية توجب الوحدة، وتنهى عن التفرق، وتفرض الإعداد، وتؤكد على حماية الدين والنفس والعِرض والمال. قال تعالى:

{‌وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]،

{‌وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].

فأي حبل أمتن من اجتماع دول الإسلام على كلمة سواء، تتجسد في تحالف يحمي الحقوق ويدفع العدوان ويقطع الطريق على من يراهن على ضعف الأمة وتشتتها؟

فمنذ سايكس بيكو حتى الاحتلال الأمريكي للعراق، ومن البلقان إلى فلسطين، تكررت السيناريوهات الكارثية نفسها: دول إسلامية تُحاصر أو تُحتل، ومجتمع دولي يبارك أو يصمت، وأمة مفككة تتفرج على أشلائها، بلا نصير أو نصرة. فيما هذه النكبات لم تكن قدرا محتوما، بل نتاج غياب مشروع وحدوي فعال يعيد للأمة اعتبارها وقوتها وهيبتها.

فالتحالفات الغربية ،الناتو مثالا ، ليست إلا تجسيدا عمليا لما فرضته دولهم من مفاهيم "الأمن الجماعي". فكيف لدول تمتلك أكبر ثروات العالم، وأعمق حضارة تاريخية، وأوسع امتداد بشري، أن تعجز عن إنشاء تحالف مشابه يحفظ كرامتها؟

على أن الخطاب الشرعي هنا موجه أولا للحكام، لأنهم أصحاب القرار، وولاة الأمر، والمخولون شرعا بتحقيق مصالح الأمة الكبرى. وفي غياب التحالف الإسلامي، فإن كثيرا من فروض الكفايات بل فروض الأعيان (كحماية الثغور، ورد العدوان، وإغاثة المستضعفين) تبقى معلقة ومسؤولية التقصير فيها آثمة.

بل ومن عظيم الفقه أن العالم الجليل د. مراد نبه أن هذا التحالف ليس مجرد مناورة عسكرية، بل حلف شامل سياسي واقتصادي وعسكري، يشمل بناء السوق الإسلامية المشتركة، والعملة الموحدة، وسياسة دفاع جماعي، وقرار سياسي موحد، وقضاء إسلامي جامع. وهذه ليست أحلاما طوباوية، بل واجبات قررها الفقه، وأوصت بها المجامع العلمية الإسلامية، وتحتاج إلى إرادة وقرار.

وأ.د. فضل بن عبد الله مراد هو رئيس منصة الإفتاء اليمنية أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة.

ومؤسس مشروع فقه العصر

وهو صاحب فتوى وجوب إنشاء التحالف الإسلامي العسكري والاقتصادي والسياسي حماية للأمة ودينها ودولها وحكامها وشعوبها وثرواتها من عصابة الحرابة الدولية المفسدة في الأرض.

وعليه فإن ما تحتاجه الأمة اليوم ليس فقط الغضب العاطفي ولا بيانات الشجب، بل الانتقال من الانفعال إلى الفعل، ومن الاستكانة إلى المبادرة، ومن الفتوى إلى التطبيق. وإذا كانت بعض القيادات السياسية مترددة، فإن صوت العلماء المخلصين، وفصاحة الحجة الشرعية، وسخط الشعوب المقهورة، كلها يجب أن تتحد لتشكل رأيا عاما ضاغطا على الحكومات للتحرك، لأن أي تأخير في إنشاء هذا الحلف، هو تمكين لأعداء الأمة أكثر، وتفريط في الأمانة الكبرى.

..بالتأكيد فإن إنشاء التحالف الإسلامي الشامل، ليس اقتراحا جدليا، بل فرض وقت، وواجب عصر، ومطلب شرعي، وضرورة وجودية. وكل تأخير عنه يورث الأمة ذلا، ويتركها فريسة لأعدائها. وعلى حكام المسلمين أن ينهضوا للمسؤولية، فالدين والدنيا والأمة كلها أمانة في أعناقهم.

ثم ان التحالف الإسلامي فريضة العصر وسلاح البقاء خصوصا ونحن في زمن تتكالب فيه قوى الطغيان على جسد الأمة، وتُستباح فيه الثروات والمقدسات، فيما لا يبقى للمسلمين إلا سبيل واحد: الاتحاد.

وإذ لم تعد الدعوة لتحالف عسكري واقتصادي وسياسي ترفا فكريا، بل أصبحت فريضة شرعية وضرورة وجودية، تحفظ بها الدماء وتحمى بها الأرض والعرض. فالشرع أمر بالاعتصام، والنصوص نادت بالإعداد، والتاريخ علمنا أن الأمم التي لا تتوحد تُؤكل فرادى.

لذلك كله فإن التحالف الإسلامي ليس مشروعا مؤقتا، بل قدر أمة ورسالة ربانية كما يؤكد الدكتور فضل مراد ،اي إما أن ننهض به اليوم، أو نسقط فرادى غدا.

و لقد آن للأمة أن تعيد صياغة قدرها، وتكتب تاريخها بيدها، وتنهض من غثاء السيل إلى صرح القوة.