خط أنابيب الغاز الروسي الصيني ”قوة سيبيريا 2“… مشروع استراتيجي يهدد خريطة الطاقة العالمية

تتجه روسيا والصين إلى خطوة جديدة قد تُغيّر موازين سوق الطاقة العالمي، عبر مشروع خط أنابيب الغاز العملاق "قوة سيبيريا 2"، الذي سيعزز التحالف الاقتصادي بين موسكو وبكين، في وقت تواجه فيه روسيا عزلة غربية متزايدة بسبب حرب أوكرانيا، بينما تسعى الصين لتأمين احتياجاتها المتنامية من الطاقة، والمشروع، الذي يُعتبر أحد أضخم مشاريع الغاز في العالم، لا يقتصر تأثيره على البلدين، بل يمتد إلى أوروبا والولايات المتحدة وأسواق الغاز العالمية كافة.
تفاصيل المشروع وأبعاده
يهدف خط "قوة سيبيريا 2" إلى نقل الغاز الروسي من شبه جزيرة يامال بالقطب الشمالي إلى شمال شرق الصين عبر منغوليا، بقدرة تصل إلى 50 مليار متر مكعب سنويًا، وهذه الكمية تعادل تقريبًا ما كان يُضَخ سابقًا عبر خط "نورد ستريم 1" الذي توقف نتيجة الصراع مع أوروبا.
-
الطول والمسار: يمتد لمسافة تزيد عن 4000 كيلومتر، منها 2600 كيلومتر داخل روسيا و1000 كيلومتر عبر منغوليا.
-
الكلفة المتوقعة: تشير تقديرات مراكز أبحاث إلى أن التكلفة قد تتجاوز 36 مليار دولار.
-
المدة الزمنية: إذا سار المشروع بوتيرة مشابهة لـ"قوة سيبيريا 1"، فقد يبدأ تشغيله بعد عام 2030.
مصالح روسيا
منذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، انخفضت صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا من نحو 150 مليار متر مكعب سنويًا إلى أقل من 10% من هذا الحجم، وهنا يأتي "قوة سيبيريا 2" كمنقذ استراتيجي لموسكو، إذ يتيح لها:
-
تنويع الأسواق بعيدًا عن أوروبا.
-
تثبيت شراكة استراتيجية مع الصين، أكبر مستورد للغاز في العالم.
-
خلق فرص عمل واستثمارات محلية في قطاع الطاقة والبنية التحتية.
مكاسب الصين
على الرغم من أن الصين ليست مضطرة للاعتماد الكامل على الغاز الروسي، إلا أن "قوة سيبيريا 2" يوفر لها:
-
مصدرًا طويل الأمد ورخيص التكلفة للطاقة مقارنة بالغاز الطبيعي المسال المستورد بحرًا.
-
تحوطًا استراتيجيًا ضد أي تعطيل في طرق الشحن البحري، خاصة وسط التوترات مع الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي.
-
تقليل الاعتماد على الغاز الأميركي، بعدما فرضت بكين رسومًا جمركية على الغاز الطبيعي المسال من واشنطن في ظل الحرب التجارية المتجددة.
تأثيرات المشروع على سوق الطاقة العالمي
من المتوقع أن يؤدي تدفق الغاز عبر "قوة سيبيريا 2" إلى:
-
انخفاض الطلب الصيني على الغاز الطبيعي المسال (LNG)، ما يحرر شحنات إضافية لأسواق أوروبا وآسيا.
-
ضغط على الأسعار العالمية نتيجة زيادة المعروض، وهو ما قد يضر بالمصدرين الكبار مثل الولايات المتحدة وقطر وأستراليا.
-
إعادة تشكيل خريطة الطاقة بحيث تصبح روسيا المورد الأساسي للغاز عبر الأنابيب إلى الصين بدلًا من أوروبا.
التحديات والعقبات
رغم التقدم الأخير، ما زال المشروع يواجه عقبات أساسية:
-
قضايا التسعير: روسيا ترغب في أسعار ثابتة وطويلة الأجل، بينما الصين تفضل ترتيبات مرنة.
-
التمويل والبنية التحتية: الكلفة الضخمة تحتاج إلى التزامات مالية واضحة.
-
الاعتماد المفرط: الصين لا تريد أن تقع في فخ الاعتماد الكبير على روسيا، خاصة مع تباطؤ نمو الطلب المحلي على الغاز.
المشهد الأخير
خط أنابيب "قوة سيبيريا 2" ليس مجرد مشروع اقتصادي، بل خطوة استراتيجية تحمل رسائل جيوسياسية قوية، فهو يعكس التقارب الروسي-الصيني في مواجهة الغرب، ويهدد في الوقت نفسه مصالح الولايات المتحدة وأوروبا في سوق الطاقة، إذا نُفّذ المشروع في الجدول الزمني المتوقع، فقد يكون من أهم التطورات في قطاع الطاقة خلال العقد المقبل.