المشهد اليمني

”كان يكتب رسائل لطفلته يوميًا… حتى جاءت الرسالة الأخيرة لجندي يمني التي لن تُرسل أبدًا.”

الجمعة 12 سبتمبر 2025 08:00 مـ 20 ربيع أول 1447 هـ
الجندي
الجندي

في زخات المطر الخفيفة التي هطلت صباح اليوم الجمعة على جبال الضالع، لم يكن أحد يتوقع أن سكوتًا مفاجئًا سيحلّ على خطوط الجبهة… ليس بسبب توقف القتال، بل لأن صوت قلب جنديٍ يمني توقف للأبد. الجندي يوسف عبدالعزيز قاسم الحريري، الذي كان يحرس موقعًا استراتيجيًا في أحد أكثر الجبهات سخونة غرب المحافظة، لم يُقتل فقط برصاصة قناص — بل قُتل بِـ"نسيان" النظام، وبصمتٍ إعلاميٍّ طالما خان أبطال الحرب.

لقي مصرعه وهو يقف وحيدًا، كأنه جدارٌ بشريٌّ يحمي أرضًا لا تُباع ولا تُشتري… لكنها تُدافع عنها بالدم.

وفقاً لمصادر عسكرية موثوقة ومقرّبة من الكتيبة التي كان يخدم فيها، فإن الجندي يوسف الحريري (28 عامًا)، من قرية العارضية في مديرية دثينة، كان يُؤدي واجبه في حراسته الليلية عند نقطة مراقبة تطل على ممرات تسلل الحوثيين، عندما أطلق قناص من الجماعة رصاصة واحدة — دقيقة، قاتلة، لا تخطئ الهدف — عبر فتحة مراقبة صغيرة، لتصل مباشرة إلى رأسه.

لم يكن هناك إطلاق نار كثيف، ولا معارك ضارية. فقط صمتٌ مفاجئ، ثم صرخة زميله: "يا يوسف! يا يوسف!" — لكنه لم يرد.

تم نقل الجثمان بعناية إلى مستشفى الضالع العام، حيث استقبله أهله ورفاقه بصمتٍ ممزوج بدموعٍ لم تُبكَ منذ سنوات. وبحسب شهود عيان، لم يُسمح للعائلة بمشاهدة الجثمان إلا بعد ساعات، بسبب الإجراءات الأمنية المشددة… والخوف من انتقام الحوثيين.

"كان يكتب يوميًا رسالة لطفلته الصغيرة… يقول لها: 'إذا قتلوني، لا تبكي. قولي لأمك إن أبي ما خان وطنه.'"
— مصدر قريب من العائلة، طلب عدم الكشف عن هويته.

الجندي يوسف، الذي كان يعمل قبل الحرب كمعلم في مدرسة ابتدائية، ترك وراءه زوجة حامل في الشهر السابع، وثلاثة أطفال دون سن الثامنة، وأبًا مسنًا يعاني من السكري، ووالدة مسنة تُصرّ على أن تُدفن معه… "لأنه لم يبقَ لي شيء غيره".

وكانت آخر رسالة كتبها قبل 48 ساعة من مقتله، قد وُجدت في هاتفه المحمول — لم تُنشر بعد، لكن مصادر مطلعة أشارت إلى أنها تحتوي على كلمات تهزّ الأرواح:

"أمي، لو قتلوني… لا تقولي إنني مت شهيد. قولي إنني مت لأنني كنت أحب اليمن… أكثر مما يحبونه هم."

الجبهة التي قُتل فيها الحريري — والتي تقع على مشارف منطقة "الحزم" — تعدّ من أخطر النقاط في جبهة الضالع، حيث تستخدم جماعة الحوثي تكتيك "القناصة المتنقلين" منذ أشهر، مستغلة التضاريس الجبلية وغياب الرقابة الجوية. وبحسب تقارير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تم تسجيل أكثر من 17 حالة قتل برصاص قناص في محافظة الضالع خلال الأشهر الثلاثة الماضية، معظمهم من الجنود والمواطنين العزل.

لكن ما يميز قضية يوسف، هو أنه لم يكن رقمًا في قائمة ضحايا. كان إنسانًا له وجه، وقصة، وصوتٌ مفقود.

حتى الآن، لم تصدر أي تصريحات رسمية من القيادة العسكرية أو الحكومة اليمنية بشأن مقتل الجندي، ولا حتى إعلان رسمي عن تشييعه.

بينما تنتشر صورته على صفحات التواصل الاجتماعي بين الشباب اليمني، كرمزٍ للصمت المُخيف الذي يلفّ مصير أبطال الحرب.

هل ننتظر حتى يُقتل كل جنديٍّ يمنيٍّ لنتحدث عنه؟
أم أن دم يوسف الحريري سيكون نقطة التحول التي تُعيد تعريف معنى "الشهادة" في زمنٍ أصبح فيه البطل… مجهولاً؟