المشهد اليمني

عيدروس الزبيدي انقلاب ناعم يهدد الشرعية ويقوض الدولة

السبت 13 سبتمبر 2025 06:26 صـ 21 ربيع أول 1447 هـ
عبدالجبار سلمان
عبدالجبار سلمان

في مشهد يعيد إلى الأذهان سيناريوهات الانقلابات السابقة على الشرعية الدستورية، أقدم عيدروس الزبيدي، عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، على إصدار سلسلة من القرارات التي تمثل انقلاباً ناعماً جديداً، يستهدف جوهر الشرعية، ويضرب في صميم التوافق الوطني الذي تأسس عليه مجلس القيادة الرئاسي. في خطوة وُصفت بالخطيرة، أصدر الزبيدي أحد عشر قراراً شملت تعيين وكلاء لمحافظات شبوة، الضالع، المهرة، أبين، ولحج، إلى جانب تعيين نائب لوزير الإعلام، ووكيل لوزارة الصناعة والتجارة، وتعيين رئيس للهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني. هذه القرارات، التي جرى تمريرها عبر إعلام المجلس الانتقالي، ليست مجرد تجاوز إجرائي؛ بل هي خرق فاضح للدستور، وتحدٍ سافر لإعلان نقل السلطة واتفاق الرياض، اللذين أكدا بوضوح أن صلاحيات التعيين والإقالة في المؤسسات الحكومية والمحلية هي حصرية لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، وليست من اختصاص أي عضو آخر. السلوك الذي يمارسه الزبيدي اليوم لم يأتِ من فراغ، فهو امتداد لمشروع انقلابي تبناه منذ ظهوره على الساحة. فمنذ تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اتسمت تحركاته بمحاولات مستمرة لفرض أجندة انفصالية تحت غطاء “الشراكة الوطنية”. الزبيدي لم يكن يوماً جزءاً من مشروع الدولة والجمهورية، بل ظل أداة لتمزيق النسيج الوطني، والسعي إلى تفكيك الدولة ومؤسساتها. وما قراراته الأخيرة إلا حلقة جديدة من مسلسل الانقلاب الناعم، الذي يُدار بخطوات متدرجة، مستفيداً من حالة التراخي والصمت داخل الشرعية. قرارات الزبيدي لا تمثل مجرد خرق قانوني، بل تهديداً مباشراً للتوافق الوطني، وضرباً لأسس الشراكة التي قام عليها مجلس القيادة الرئاسي. إن إقدام أحد أعضائه على انتزاع صلاحيات رئيس المجلس يعني عملياً انقلاباً على روح التوافق، وفتح الباب أمام حالة من الفوضى والصراع الداخلي. المصادر السياسية حذرت من أن السكوت عن هذه التجاوزات سيؤدي إلى عواقب وخيمة، ليس فقط على الشرعية كمنظومة سياسية، بل على مؤسساتها الدستورية المعترف بها دولياً. فأي تهاون في مواجهة هذه الانتهاكات سيُضعف من موقع الشرعية أمام المجتمع الدولي، ويُظهرها كسلطة عاجزة عن ضبط أعضائها أو حماية مرجعياتها. ما جرى لم يعد مجرد جدل حول الصلاحيات، بل هو اختبار حقيقي لقدرة الشرعية ومجلس القيادة على حماية نفسه من الانهيار. فإذا لم يتخذ المجلس موقفاً حازماً يعلن بطلان هذه القرارات، فإن الشرعية نفسها ستكون مهددة بالتآكل من الداخل. ولعل ما يزيد المشهد خطورة أن هذه القرارات صدرت غداة عودة رئيس المجلس رشاد العليمي رفقة عضوي المجلس اللواء سلطان العرادة وعبدالله العليمي إلى عدن، وكأنها رسالة تحدٍ مباشرة لرئيس المجلس، ومحاولة لفرض أمر واقع جديد يتجاوز سلطته. إن خطورة ما يقوم به الزبيدي تكمن في كونه انقلاباً ناعماً لا يستخدم الدبابات أو السلاح هذه المرة، بل يمرر عبر قرارات إدارية ظاهرها التعيين وباطنها تقويض الشرعية. فالتجربة اليمنية مع الانقلابات أثبتت أن تجاهل الخطوات الأولى يقود دائماً إلى انهيارات أكبر، وما جرى في صنعاء عام 2014 ليس ببعيد. الصمت اليوم يعني الاعتراف الضمني بشرعية هذه القرارات، وفتح الباب أمام مزيد من القرارات المماثلة، التي ستؤدي في النهاية إلى نسف ما تبقى من مؤسسات الدولة. إن مواجهة هذا الانقلاب الناعم تتطلب موقفاً واضحاً وصريحاً من رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، يعلن بطلان قرارات الزبيدي ويؤكد أن أي تجاوز لصلاحيات رئيس المجلس لن يُسمح بتمريره. فاليمن اليوم ليس بحاجة إلى مغامرات جديدة تزيد من معاناته وتشرذمه، بل إلى وحدة الصف وحماية مؤسسات الدولة. ما يقوم به عيدروس الزبيدي اليوم ليس سوى انقلاب جديد على الشرعية، بوسائل مختلفة وأدوات ناعمة. وإذا استمر الصمت، فإن الشرعية ستجد نفسها مجرد واجهة شكلية، فيما القرار الفعلي ينتزع منها تدريجياً.
إن ما جرى لا يحتمل التأويل إنه إعلان صريح لتقويض الشرعية والدستور والتوافق الوطني، ولن تكون عواقب السكوت عنه أقل من الكارثة.