المشهد اليمني

”لم تكن مجرد مواطنة... بل كانت ورقة تفاوض سرية دفعت الحوثيين لتحريرها!”

السبت 13 سبتمبر 2025 10:31 مـ 21 ربيع أول 1447 هـ
المختطفة الاردنية لانا شكري
المختطفة الاردنية لانا شكري

بعد أيام من الغموض والتكهنات التي أحاطت بقضية اختطاف الميليشيات الحوثية للمواطنة الأردنية لانا شكري، نائبة مدير مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" في اليمن، كشفت مصادر متعددة ومتماسكة عن تفاصيل صفقة تبادل سرية جرت بعيدًا عن أي إشراف أممي أو إعلان رسمي، أدت إلى إطلاق سراحها ومغادرتها صنعاء على متن طائرة عسكرية أردنية، في خطوة تُعدّ أول مرة يُثبت فيها تجاوز الحوثيين للقنوات الأممية في إدارة ملفات إنسانية حساسة، واستبدالها بتفاهمات ثنائية مباشرة مع دولة خارجية.

الإفراج لم يكن عبر الأمم المتحدة... بل عبر قناة أردنية-حوثية سرية

وبحسب مصادر دبلوماسية وأمنية أردنية ويمنية مطلعة، فإن الإفراج عن شكري لم يكن نتيجة ضغوط دولية أو تدخل من الأمم المتحدة، كما كان يُفترض في البداية، بل جاء ثمرة مفاوضات مباشرة بين الحكومة الأردنية وقيادات حوثية، تمّت عبر وسيط محوري يمتلك صلات عميقة مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأردنية.

وأشارت المصادر إلى أن الوسيط هو قيادي حوثي سابق عمل في السلك الدبلوماسي بحكومة صنعاء قبل انقلاب 2014، وشارك في عدة لقاءات أمنية مع نظرائه الأردنيين خلال فترة استقرار العلاقات بين البلدين قبل الحرب. وقد استغل هذا القيادي، الذي لم يُكشف اسمه رسميًا، علاقاته القديمة لفتح قناة اتصال غير رسمية مع المسؤولين الأردنيين، بعد أن تبين أن شكري — رغم كونها موظفة أممية — تحمل جنسية أردنية وتُعتبر مواطنة أردنية بالكامل، مما فتح الباب أمام التفاوض المباشر دون الحاجة لتدخل المنظمات الدولية.

طائرة عسكرية أردنية تهبط في صنعاء... و"الجناح الخفي" للصفقة ينطلق

في ظهر يوم الخميس الماضي، هبطت طائرة عسكرية تابعة لسلاح الجو الملكي الأردني على مدرج مطار صنعاء الدولي، في عملية نادرة لا تُشبه أي طيران مدني أو إنساني سابق منذ بدء الحرب. ووفقاً لمصدر ملاحي موثوق في المطار، كانت الطائرة على متنها نحو 20 شخصًا، بينهم هشام شرف، وزير الخارجية السابق في حكومة المليشيات الحوثية، وهو ما يُشير إلى مستوى رفيع من التمثيل السياسي في الصفقة.

وبعد هبوط الطائرة، نُقل الركاب على الفور إلى سيارات دفع رباعي مصفحة كانت منتشرة على المدرج، بينما بقيت الطائرة مهيأة للإقلاع بعد ساعتين فقط، وعلى متنها لانا شكري، التي وُصفت بأنها بحالة نفسية وصحية مستقرة، بالإضافة إلى 21 شخصًا آخرين، بينهم تسعة جرحى يُعتقد أنهم من المدنيين المصابين في الغارات الإسرائيلية الأخيرة على العاصمة صنعاء، وفقًا لما أكده مصدر طبي داخل مستشفى الثورة.

تفاصيل الصفقة: تبادل "القيادات العالقة" مقابل "الجرحى والمواطنات"

ووفقًا لمصادر مقربة من مكتب مايسمى الرئاسة في صنعاء(الحوثيين)، فإن الصفقة كانت متبادلة ومبنية على مبدأ "الكل مقابل الكل":

  • من جانب الحوثيين: السماح بإخراج لانا شكري، وإدخال عدد من القيادات الحوثية العسكرية والعسكرية الذين كانوا عالقين في الأردن، معظمهم أنهوا دورات تدريبية عسكرية متقدمة في المملكة، وكانوا ينتظرون تأشيرات خروج أو عودة، لكن السلطات الأردنية منعتهم بسبب طبيعة انتمائهم لجماعة مصنفة كمنظمة إرهابية.

  • من جانب الأردن: السماح بخروج 9 جرحى يمنيين من ذوي الحالات الحرجة لتلقي العلاج في الخارج، بالإضافة إلى إخراج أحد الوزراء النافذين في حكومة صنعاء السابقة، وصفت حالته الصحية بأنه "خطيرة للغاية"، لكن المصدر رفض الكشف عن هويته خشية ردود فعل سياسية.

وأكد مصدر أمني أردني رفيع المستوى :"الأردن لم يتعامل مع القضية كمسألة إنسانية بحتة، ولا كقضية أممية، بل كمسألة وطنية تتعلق بمواطنة أردنية مختطفة على أرض يمنية، ونحن نتعامل مع كل مواطن أردني كأنه ابننا. هذا لا يعني أننا ندعم الحوثيين، بل يعني أننا نستخدم كل الوسائل المتاحة لإنقاذ مواطنينا، حتى لو كان ذلك خارج الإطار الأممي".

الإفراج الأولي: خطوة تمهيدية لتسوية كاملة

وأشار مصدر آخر مقرّب من دائرة القرار في صنعاء إلى أن الإفراج عن شكري في وقت سابق من الأسبوع الماضي — عندما نُقلت من مكان احتجازها إلى منزل خاص تحت حراسة مشددة — كان مجرد "خطوة تمهيدية" لإعداد الأرضية للصفقة الكاملة، حيث أُعطيت لها فترة راحة وراحة نفسية، وتمّ تجهيز وثائق سفرها بشكل سري، قبل أن يتم نقلها فعليًا عبر الطائرة العسكرية، وهي الخطوة التي جسّدت اكتمال الصفقة.

تحليل سياسي: الحوثيون يستخدمون الإنسانية كورقة تفاوضية... والأمم المتحدة خارج اللعبة

ويرى مراقبون سياسيون أن هذه الصفقة تُعدّ مؤشرًا خطيرًا على تحوّل الحوثيين من "طرف يعتمد على المساعدات الإنسانية" إلى "لاعب استراتيجي يدير ملفات إنسانية كأوراق تفاوضية" تُستخدم لابتزاز الدول أو تبادل مصالح، دون أي التزام بالقوانين الدولية أو معايير حقوق الإنسان.

ردود فعل دولية: صمت أممي... وقلق أردني مُقنّع

وفي الوقت الذي رفضت الأمم المتحدة التعليق على التفاصيل، واكتفت بإصدار بيان مقتضب يُعرب عن "الارتياح لسلامة لانا شكري"، فإن وزارة الخارجية الأردنية أصدرت بيانًا رسميًا قالت فيه:

"تمت تسوية قضية المواطنة الأردنية لانا شكري وفقًا للإجراءات الدبلوماسية المتبعة، وتمّ إعادتها بأمان إلى الوطن، ونؤكد التزامنا بحماية مواطنينا في جميع الظروف".

ولكن المصادر الأردنية الداخلية أشارت إلى أن البيان الرسمي كان مُعدًا مسبقًا، وأن التفاصيل الحقيقية لن تُكشف إلا في إطار مراجعة أمنية داخلية، لأن الصفقة تشمل تفاصيل حساسة تتعلق بعلاقات أردنية-حوثية، قد تثير جدلًا داخليًا وخارجيًا.

خلاصة: صفحة جديدة في لعبة الحرب اليمنية

هذه الصفقة ليست مجرد إفراج عن مواطنة، بل هي تحوّل استراتيجي في ديناميكية الصراع اليمني. فالحوثيون لم يعودوا مجرد حركة مسلحة تنتظر المساعدات، بل أصبحوا طرفًا قادرًا على التفاوض مع الدول بأسلوب دبلوماسي مباشر، يتجاوز الأمم المتحدة، ويُعيد تشكيل خريطة القوى في اليمن.

أما الأردن، فلم تُظهر ضعفًا بقبولها التفاوض مع "إرهابيين"، بل أظهرت حكمة سياسية في استخدام القنوات السرية لإنقاذ مواطنة، حتى لو كان ذلك على حساب التوافق الدولي.

لكن السؤال الأكبر الآن: هل ستكون لانا شكري آخر مواطنة تُحرَّر بهذه الطريقة؟ أم أن هذه الصفقة هي بداية موجة من التبادلات الثنائية، تُعيد كتابة قواعد اللعبة الإنسانية في اليمن؟

وأضاف:

"إذا كان الحوثيون يستطيعون التفاوض مع الأردن لتحرير مواطنة واحدة، فلماذا لا يفعلون ذلك مع السعودية أو مصر أو الإمارات؟ هل سيُطلب من كل دولة أن تدفع فدية باسم مواطنيها؟ هذا يُهدد بانهيار كامل لمنظومة العمل الإنساني في اليمن".

ردود فعل دولية: صمت أممي... وقلق أردني مُقنّع

وفي الوقت الذي رفضت الأمم المتحدة التعليق على التفاصيل، واكتفت بإصدار بيان مقتضب يُعرب عن "الارتياح لسلامة لانا شكري"، فإن وزارة الخارجية الأردنية أصدرت بيانًا رسميًا قالت فيه:

"تمت تسوية قضية المواطنة الأردنية لانا شكري وفقًا للإجراءات الدبلوماسية المتبعة، وتمّ إعادتها بأمان إلى الوطن، ونؤكد التزامنا بحماية مواطنينا في جميع الظروف".

ولكن المصادر الأردنية الداخلية أشارت إلى أن البيان الرسمي كان مُعدًا مسبقًا، وأن التفاصيل الحقيقية لن تُكشف إلا في إطار مراجعة أمنية داخلية، لأن الصفقة تشمل تفاصيل حساسة تتعلق بعلاقات أردنية-حوثية، قد تثير جدلًا داخليًا وخارجيًا.

صفحة جديدة في لعبة الحرب اليمنية

هذه الصفقة ليست مجرد إفراج عن مواطنة، بل هي تحوّل استراتيجي في ديناميكية الصراع اليمني.

فالحوثيون لم يعودوا مجرد حركة مسلحة تنتظر المساعدات، بل أصبحوا طرفًا قادرًا على التفاوض مع الدول بأسلوب دبلوماسي مباشر، يتجاوز الأمم المتحدة، ويُعيد تشكيل خريطة القوى في اليمن.

أما الأردن، فلم تُظهر ضعفًا بقبولها التفاوض مع "إرهابيين"، بل أظهرت حكمة سياسية في استخدام القنوات السرية لإنقاذ مواطنة، حتى لو كان ذلك على حساب التوافق الدولي.

لكن السؤال الأكبر الآن: هل ستكون لانا شكري آخر مواطنة تُحرَّر بهذه الطريقة؟ أم أن هذه الصفقة هي بداية موجة من التبادلات الثنائية، تُعيد كتابة قواعد اللعبة الإنسانية في اليمن؟