”ساعات انتظار... وطفل يبكي على ضفة السيل !” — لماذا لا يزال سكان بني حماد بتعز محاصرين بدون جسر؟

شهدت مناطق متفرقة من محافظة تعز، جنوب غرب اليمن، هطولًا غزيرًا للأمطار اليوم الإثنين، ترتب عليه تدفق سيولٍ عاتية في عدة مراكز، أبرزها منطقة بني حماد التابعة لمديرية المواسط، حيث وصلت حدة التأثير إلى حدّ شلّ الحركة اليومية للسكان، وقطع طرق رئيسية بسبب غياب البنية التحتية الأساسية.
وأكدت مصادر محلية مطلعة أن الأمطار، التي استمرت لساعات متواصلة، كانت الأشد كثافة منذ بداية الموسم المطري الحالي، مما تسبب في ارتفاع منسوب المياه في الأودية والشعاب المحيطة ببني حماد، وتدفق كميات هائلة من المياه العكرة عبر الطرق والمسارات، تحمل معها الأحجار والأتربة والأغصان، ما أدى إلى تدمير جزئي لبعض المسارات الترابية وتشكل مستنقعات كبيرة في المناطق المنخفضة.
لكن الأزمة الأكبر، كما أفاد السكان، تكمن في انعدام الجسر الثابت الذي يربط بين ضفتي النهر الرئيسي في المنطقة، والذي يُعدّ الشريان الوحيد لحركة المواطنين والبضائع بين بني حماد ومدينتي المواسط وذمار. فمع تدفق السيول، أصبحت الطريق المعبدة المؤدية إلى الجسر غير قابلة للاستخدام، بينما يبقى الممر المائي ممتلئًا بقوة تيار لا يمكن تجاوزه إلا بالانتظار لساعات طويلة حتى ينخفض منسوب المياه.
وقال أحد السكان، محمد علي أحمد (42 عامًا):
"نحن نعيش حالة من اليأس. كلما هطلت الأمطار، نصبح محاصرين. لا جسر، ولا طريق بديلة، ولا أي مساعدة من الجهات الرسمية. بعض العائلات تنتظر أكثر من 6 ساعات فقط لعبور أطفالها أو نقل الدواء لمرضى. هذا ليس مجرد إزعاج، بل خطر حقيقي على الحياة".
وأضافت المصادر أن العديد من الطلاب والمعلمين والعاملين في القطاع الصحي والتجاري، تضرروا بشكل مباشر من قطع الطريق، إذ فُقدت فرص التعليم والعمل، بينما تأخرت شاحنات المواد الغذائية والدواء عن الوصول إلى السوق المحلي، مما أثار مخاوف من ارتفاع الأسعار ونقص في المستلزمات الأساسية.
وفي الوقت نفسه، حذرت لجان الطوارئ المحلية من احتمال تفاقم الوضع في حال استمرار الهطول، مشيرة إلى أن الأنهار الفرعية قد تتسع وتتحول إلى أنهار رئيسية، ما يهدد بانزلاقات أرضية أو انهيارات للمنازل القريبة من الضفاف، خاصة تلك المبنية دون مراعاة للمعايير الهندسية أو البيئية.
وطالبت لجنة الإغاثة المحلية في مديرية المواسط، السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية، بـ"إجراءات عاجلة" لإنشاء جسر مؤقت أو دائم في بني حماد، معتبرة أن الأمر "ليس رفاهية، بل ضرورة إنسانية وحياة أو موت"، مشيرة إلى أن المنطقة تخدم آلاف السكان الذين يعتمدون على هذا الممر يوميًا.
ومن جهتها، أصدرت إدارة الدفاع المدني في تعز بيانًا طارئًا دعت فيه السكان إلى "تجنب المجازفة بعبور الأودية أثناء تدفق السيول"، وحذرت من "مخاطر الغرق والانجراف"، وأعلنت عن تجهيز فرق إنقاذ ميدانية للتدخل السريع في حالات الطوارئ.
في المقابل، لا تزال الحكومة المحلية في تعز، التي تعاني من ضغوط اقتصادية وأمنية متزايدة، صامتةً رسميًا حول خططها لمعالجة هذه المشكلة المتكررة، رغم تكرارها سنويًا، وهو ما يزيد من استياء السكان الذين يرون في هذا الإهمال "إقصاءً متعمدًا" لمناطقهم المهمشة.
بني حماد، التي تقع على مفترق طرق استراتيجي بين تعز وذمار، كانت تُعدّ نقطة تواصل حيوية قبل اندلاع الحرب، لكنها تحوّلت إلى رمز للإهمال الإداري، حيث ظلّ الجسر المطلوب معلقًا في ملفات التخطيط لأكثر من 8 سنوات دون تنفيذ، رغم تكرار الكوارث الطبيعية فيها.
ومع استمرار التغير المناخي وزيادة حدة الأمطار في الجنوب اليمني، فإن مسألة البنية التحتية المتهالكة لم تعد مجرد مشكلة لوجستية، بل تتحول إلى أزمة إنسانية متفاقمة تستدعي تدخلاً عاجلاً ومستدامًا، قبل أن تتحول بني حماد من قرية مهجورة إلى مقبرة جماعية لسكّانها.