معلمون بلا رواتب… وتلاميذ بلا قلم! ما الذي يدفع مدارس عدن لطلب المال من جيوب فارغة؟

في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة تضرب العاصمة المؤقتة عدن، تجد إدارات مدارس التعليم الأساسي والثانوي نفسها أمام معضلة صعبة:
كيف تستمر في تقديم خدمات تعليمية أساسية في غياب التمويل الحكومي، بينما ترفض الأسر – التي لم تتلقَ رواتبها منذ أكثر من ثلاثة أشهر – دفع أي رسوم دراسية، ليس من باب التهرب، بل لأن أولوياتها تقتصر على تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية.
فمنذ توقف صرف مرتبات موظفي الدولة، بما فيهم المعلمون والإداريون في المدارس، تدهورت القدرة الشرائية للأسر، وتحولت ميزانيات المنازل من تغطية نفقات التعليم والصحة إلى الصراع اليومي من أجل توفير الخبز والماء والدواء.
ومع ذلك، لا تزال إدارات المدارس تواجه ضغوطًا متزايدة لتوفير الحد الأدنى من الخدمات التشغيلية، بدءًا من فواتير الكهرباء والمياه، وصولًا إلى صيانة البنية التحتية البسيطة، وشراء المستلزمات المكتبية، وحتى توفير وسائل النظافة الأساسية.
مديرو المدارس: "نعمل بلا رواتب.. لكن الفواتير لا تنتظر"
في تصريحات متعددة، أكد عدد من مديري المدارس الحكومية في عدن أنهم ومعلميهم يعملون "بلا مقابل مادي"، إلا أن استمرارية العملية التعليمية تتطلب تمويلًا لا يمكن تأجيله.
يقول مدير إحدى المدارس في مديرية كريتر: "نحن أول من يشعر بمعاناة الأهالي، فنحن مثلهم لم نتقاضَ رواتب منذ أشهر، لكننا نواجه فواتير شهرية لا يمكن تجاهلها. الكهرباء والماء لا يُقطعان عن المدرسة بقرار إنساني، بل بقرار مالي. والمعلمون لا يستطيعون العمل في فصول مظلمة أو بلا مراحيض صالحة".
وأضاف: "نحاول التفاهم مع الأهالي، وتقديم تسهيلات، لكن حتى التسهيلات تحتاج إلى حد أدنى من الموارد. بعض المدارس بدأت تلجأ إلى جمع تبرعات محلية، أو الاستعانة بمبادرات مجتمعية، لكنها حلول مؤقتة وغير كافية".
أولياء الأمور: "قوت اليوم أهم من قلم ودفتر"
من الجانب الآخر، يعبر أولياء الأمور عن استيائهم العميق من استمرار الضغط على الطلاب لدفع الرسوم، في وقت يعجزون فيه عن تأمين وجبة يومية لأطفالهم.
يقول أحد الآباء، وهو موظف حكومي لم يتقاضَ راتبه منذ أربعة أشهر: "ابني في الصف الثالث الابتدائي، كل يوم يعود إلى البيت وهو خائف لأن المعلمة تطلب منه جلب الرسوم. كيف أشرح له أننا لا نملك ثمن كيس الأرز، فكيف ندفع للدراسة؟".
وأشار آخرون إلى أن هذا الضغط النفسي المتواصل على الأطفال، خاصة في المراحل العمرية المبكرة، ينعكس سلبًا على أدائهم الدراسي وحالتهم النفسية. "الطفل لا يفهم الأزمة الاقتصادية، لكنه يفهم أنه 'مقصر' أو 'غير مرغوب فيه' لأنه لا يجلب المال. هذا يخلق لديه شعورًا بالذنب والخوف، ويفقده حب المدرسة"، كما تقول إحدى الأمهات.
مخاوف من تراجع التعليم وارتفاع معدلات الانقطاع
في ظل هذا الجمود، تتصاعد المخاوف من تراجع جودة التعليم، بل وارتفاع معدلات الانقطاع المدرسي، خاصة في الأسر الأكثر فقرًا. فبينما تسعى المدارس للحفاظ على بقائها، يجد الأهالي أنفسهم مضطرين لاختيار ما بين تعليم أبنائهم أو إطعامهم – خيار لا ينبغي أن يُفرض على أي إنسان في أي مكان.
ويحذر خبراء تربويون من أن استمرار هذا الوضع دون تدخل عاجل من الجهات المعنية – سواء الحكومة أو المنظمات الدولية – قد يؤدي إلى انهيار جزئي في منظومة التعليم في عدن، ويفاقم من أزمة الجيل القادم، الذي يُفترض أن يكون حجر الأساس لإعادة بناء اليمن.
نداءات عاجلة لإنقاذ العام الدراسي
في هذا السياق، تتجه الأنظار نحو وزارة التربية والتعليم في الحكومة اليمنية، والمنظمات الدولية الداعمة للتعليم، لتقديم حلول عاجلة، سواء عبر دعم تشغيلي مباشر للمدارس، أو توفير منح طارئة للأسر الفقيرة، أو حتى إطلاق حملات تبرع وطنية لسد الفجوة المالية المؤقتة.
فالمشكلة لم تعد مالية فحسب، بل إنسانية وتربوية، وتهدد بتحويل المدرسة – التي يجب أن تكون ملاذًا آمنًا للطفل – إلى مصدر قلق وإحباط، في وقت يحتاج فيه الأطفال أكثر من أي وقت مضى إلى بيئة تعليمية مستقرة وداعمة.