”صوتها مات برصاصة… لكن تعز قررت أن تصرخ مكانها!”

في مشهد يعكس غضبًا شعبيًا عارمًا ورفضًا مطلقًا للإفلات من العقاب، خرج أبناء وبنات مدينة تعز اليوم في وقفة احتجاجية حاشدة، حملوا خلالها صور الشهيدة الأستاذة أفتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين، وعضوة تكتل "وهج النسوي"، التي اغتيلت غدرًا أثناء أدائها لواجبها المهني في خدمة المدينة، في جريمة هزّت الضمير الوطني وأثارت موجة استنكار واسعة.
وأصدر المحتجون بيانًا جماعيًا شديد اللهجة، وصفوا فيه الجريمة بأنها "ليست مجرد اعتداء على شخص الشهيدة، بل طعنة في قلب الدولة، وانتهاك صارخ لهيبة القانون، ومحاولة يائسة لإرهاب كل من يسعى لمكافحة الفساد أو يرفع صوته من أجل المصلحة العامة". وأكدوا أن استهداف الأستاذة أفتهان، التي عُرفت بجرأتها ونزاهتها، يُعد رسالة ترهيب مقصودة ضد المرأة اليمنية وضد مشاركتها الفاعلة في الحياة العامة وصنع القرار، في محاولة لثني النساء عن تولي مواقع المسؤولية أو الدفاع عن حقوق المجتمع.
وأشار البيان إلى أن الشهيدة كانت قد تقدمت – قبل اغتيالها – بشكاوى رسمية متعددة إلى النيابة العامة والسلطات المحلية، حذّرت فيها من تهديدات مباشرة تعرضت لها، ناتجة عن مواقفها الجريئة في مكافحة الفساد وملاحقة المخالفين في قطاع النظافة والتحسين. لكن، ورغم وضوح التحذيرات، لم تتخذ الجهات المعنية أي إجراءات جادة لحمايتها، ما يُعد – بحسب البيان – "تقاعسًا مُدانًا يرقى إلى درجة التواطؤ غير المباشر، ويستدعي محاسبة المسؤولين عن هذا الإهمال القاتل".
وفي خطاب حازم، طالب المحتجون بـ"الكشف الفوري والعلني عن ملابسات الجريمة، وتحديد هوية القتلة ومن يقف خلفهم، وتقديمهم إلى العدالة دون مماطلة أو تسويف". كما شددوا على ضرورة "محاسبة كل جهة رسمية تقاعست عن أداء واجبها في حماية موظفة عمومية كانت تؤدي عملها بشرف ووطنية"، مُعلنين أن "دم الشهيدة أفتهان لن يُهدر، وأن احتجاجاتهم ستتواصل وتتصاعد حتى تحقيق العدالة الكاملة، وتطبيق أقصى العقوبات بحق الجناة والمُقصرين".
ودعا البيان المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، وعلى رأسها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ولجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن اليمن، إلى "التدخل الفوري لمتابعة القضية، وضمان شفافية التحقيق، ومنع أي محاولة للتغطية أو إفلات الجناة من العقاب". كما طالبوا بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة إذا لزم الأمر، لضمان نزاهة الإجراءات وسرعة الوصول إلى الحقيقة.
وأكد المحتجون أنهم "ملتزمون بالوفاء لمسيرة الشهيدة أفتهان، التي كانت نموذجًا للمرأة اليمنية المناضلة، الصامدة، والمنخرطة في خدمة مجتمعها بلا خوف أو تردد". وأشاروا إلى أن مواصلة العمل في الملفات التي كانت تتبناها – خاصة في مكافحة الفساد وتحسين الخدمات – هو أصدق تكريم لروحها، وأن الدفاع عن حقوق مدينة تعز وأبنائها هو استمرار لرسالتها التي استُهدفت لإسكاتها.
وشهدت الوقفة رفع شعارات مناهضة للإفلات من العقاب، وداعمة لمشاركة المرأة، مثل:
"أفتهان.. صوتك ما انطفى!"
"دمكِ نار.. والقصاص آتٍ!"
"المرأة في الميدان.. لا للترهيب ولا للإقصاء!"
"يا حكومة.. إما العدالة أو الاستقالة!"
وتأتي هذه الاحتجاجات في ظل تزايد المخاوف من تفشي ثقافة الإفلات من العقاب في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، ما يُهدد بتفكيك ما تبقى من مؤسسات الدولة، ويُشجع على تكرار الجرائم ضد الناشطين والمسؤولين المصلحين.
مدينة تعز، التي عانت من حرب وحصار لأكثر من ثماني سنوات، تُعلن اليوم أن معركتها لم تعد فقط ضد الانقلابيين، بل أيضًا ضد الفساد والقتل والإفلات من العقاب – وأن صوت العدالة، كما صوت الشهيدة أفتهان، لن يُسكت.