”في سوق صنعاء: موقف واحد غيّر قلوب المئات... والبداية كانت بطبق بيض محطم!”

في مشهد إنساني نادر يلامس القلوب ويعيد الأمل في قيم التراحم والعدالة الاجتماعية، شهد أحد الأسواق الشعبية في العاصمة اليمنية صنعاء، صباح اليوم، حادثة بسيطة في ظاهرها لكنها حملت في طياتها درسًا عميقًا في الإنسانية والدفاع عن كرامة الإنسان، لتتحول إلى حديث المدينة ومحط إشادة واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
الواقعة بدأت حين كان أحد الحمّالين، وهو شاب في مقتبل العمر، ينقل طبقًا من البيض نيابة عن تاجر في السوق، حينما سقط الطبق فجأة من يديه بسبب الإرهاق الشديد أو زحمة السوق، ما أدى إلى تلف كامل لمحتواه. ولم يكد يلتقط أنفاسه حتى انهال عليه التاجر بوابل من الكلمات القاسية، مهددًا إياه بخصم قيمة البضاعة التالفة من أجرته اليومية، وهو ما يعادل تقريبًا دخله كاملاً لهذا اليوم.
ووسط دموع خجل وصمت مُرّ، حاول العامل المسكين أن يبرر ما حدث، مُشيرًا إلى أنه لم ينم ليلته كاملة، وكان يعمل منذ الفجر دون راحة، لكن صوته خفت أمام صرخات التاجر وتهديداته، في مشهد يعكس واقعًا مريرًا يعيشه آلاف العمال اليوميين في اليمن، حيث تُستغل ظروفهم القاسية وتُهدر كرامتهم تحت ذريعة "الخسارة" أو "الغلط".
لكن المفاجأة جاءت من حيث لا يُتوقع. فبينما كان المشهد يسير نحو مزيد من الإذلال، تدخّل أحد المشترين، رجل في منتصف العمر، عُرف لاحقًا باسم "أبو محمد"، ليقف بحزم أمام التاجر ويقول بصوت هادئ لكنه حازم:
"هذا العامل إنسان، وليس آلة. خسارتك بضاعة، لكنك لا تملك أن تكسر كرامته. أنا لن أشتري منك بعد اليوم، ولن أتعامل مع من يهين إنسانًا مهما كان ظرفه."
وبحسب شهود عيان، فقد أصر المشتري على دفع ثمن البيض التالف من جيبه الخاص، رافضًا أن يتحمل العامل أي خسارة، ثم غادر السوق بعد أن همس في أذن العامل: "لا تيأس، الله معك، وكرامتك أغلى من كل البيض في الدنيا."
انتشرت الحادثة كالنار في الهشيم، وأثارت موجة من التعاطف والإعجاب عبر منصات التواصل، حيث وصفها الناشطون بـ"الوقفة التي يجب أن تُدرّس في مناهج الأخلاق"، واعتبرها آخرون "نبراسًا يضيء طريق المجتمع نحو التعاطف مع الطبقات المهمشة".
وعلّق أحد المغردين:
"في زمن انهارت فيه كثير من القيم، يظهر رجلٌ في سوق صنعاء ليُعلّمنا أن الكرامة لا تُقدّر بثمن، وأن الإنسانية لا تموت طالما هناك من يُذكّرنا بها."
وأضاف آخر:
"لو كان كل المشترين مثل أبو محمد، لما رأينا عاملًا يُهان في وضح النهار. هذه ليست واقعة، بل ثورة أخلاقية صغيرة."
ويأتي هذا الموقف في وقت يعاني فيه العمال اليوميون في اليمن من ظروف معيشية قاسية، حيث يتقاضون أجورًا زهيدة، ويعملون لساعات طويلة تحت أشعة الشمس أو في البرد القارس، دون أي ضمانات اجتماعية أو حماية قانونية، ما يجعلهم عرضة للإهانة والاستغلال بشكل يومي.
وقد دعا ناشطون حقوقيون إلى اتخاذ هذه الحادثة كمنطلق لحملة مجتمعية تدعو إلى "احترام العمال"، و"عدم تحميلهم أخطاء لا يتحملون وزرها"، مشيرين إلى أن مثل هذه المواقف الفردية، وإن كانت نبيلة، لا تكفي، بل يجب أن تتحول إلى ثقافة مجتمعية وقوانين تحمي حقوق الإنسان البسيط.
وفي ختام اليوم، غادر العامل السوق وهو يمسح دموعه، لكنها هذه المرة دموع فرح وامتنان، فيما بقي التاجر وحيدًا، يُعدّ البيض المتبقي، لكنه خسر شيئًا لا يُعوّض: ثقة الناس، وربما كرامته هو أيضًا.