“عشرات الآلاف يغزون شوارع تعز.. والسبب امرأة لم تمت برصاص عصابة، بل برصاص التواطؤ!”

ي مشهد غير مسبوق يعكس غضبًا شعبيًّا عارمًا واستنكارًا وطنيًّا واسعًا، شهدت مدينة تعز صباح اليوم الأحد مسيرة جماهيرية ضخمة، جابت شوارع المدينة وصولًا إلى مبنى المحافظة، شارك فيها عشرات الآلاف من أبناء مديرية الحجرية ومناطق أخرى في المحافظة، تقدمهم مشائخ ووجهاء وشخصيات اجتماعية وسياسية وحزبية بارزة، إلى جانب أولياء دم الشهيدة أفتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين بتعز، وفي مقدمتهم والدها الأستاذ محمد المشهري، القنصل اليمني في تركيا.
وانطلقت المسيرة من منطقة الحجرية، وسط هتافات غاضبة تطالب بالقصاص العاجل للجناة، ورفع المحتجون لافتات كُتبت عليها عبارات مثل: "أفتهان شهيدة الوطن"، "لا عدالة بلا محاسبة"، "يا حكومة.. الشعب يرفض التسويف"، و"دم أفتهان لن يُهدر". وتحولت المسيرة إلى مظاهرة صامتة في بعض المحطات، تعبيرًا عن الحزن العميق الذي خيّم على المدينة منذ لحظة اغتيالها البشعة.
جريمة هزّت الضمير الوطني
وأثارت جريمة اغتيال الشهيدة أفتهان المشهري، التي نفذتها عصابة مسلحة في وضح النهار، صدمة واسعة في أوساط المجتمع اليمني، ليس فقط لبشاعتها، بل لكون الضحية امرأة مناضلة كرست حياتها لخدمة مدينتها، وعملت بلا كلل لجعل تعز نظيفة وجميلة رغم الظروف الصعبة التي تعيشها المدينة منذ سنوات الحرب. وتركت الجريمة أيضًا شابًا آخر، هو حسين علي عبد الرحمن من أبناء مديرية المعافر، مصابًا بطلقتي رصاص في الرأس، ولا يزال يرقد في العناية المركزة بحالة حرجة، ما يزيد من تعقيد المشهد ويطالب بمحاسبة كاملة لجميع المتورطين.
مطالب واضحة ومهلة 48 ساعة
رفع المحتجون سقف مطالبهم خلال التظاهرة، حيث أكدوا أن أبرز مطالبهم تتمثل في:
- القبض الفوري على جميع أفراد العصابة الإجرامية التي نفذت الجريمة، دون أي تأخير أو تسويف.
- إقالة مدير شرطة أمن محافظة تعز، العميد منصور الاكحلي، وقائد محور تعز، اللواء خالد فاضل،** متهمين إياهما بالتقاعس والتقصير في أداء الواجب الأمني، واتهامات ضمنية بالتغطية أو التواطؤ.
- تشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة ترفع تقريرها خلال 72 ساعة، وتُحال نتائجه فورًا للقضاء العسكري والمدني.
كما منح المحتجون السلطات المحلية والمركزية مهلة 48 ساعة فقط لاتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة، محذرين من "خطوات تصعيدية سلمية شاملة" في حال عدم الاستجابة، تشمل إغلاق الطرق، وتوسيع دائرة الاعتصامات، وتنظيم إضراب عام في المصالح الحكومية والخاصة.
اعتصام مفتوح حتى تحقيق المطالب
وفي خطوة تصعيدية رمزية وعملية، نصب المحتجون خيام اعتصام مفتوح أمام مبنى المحافظة، مؤكدين أنهم "لن يبرحوا المكان حتى يتم القبض على الجناة، وإقالة القيادات الأمنية والعسكرية المتهاونة، وتحقيق العدالة الكاملة". وتحول الاعتصام إلى ساحة حداد وغضب، حيث توافد أهالي المدينة من مختلف الأحياء للمشاركة في فعاليات الاعتصام، وتقديم الدعم المعنوي لأسرة الشهيدة.
تعز.. غضب في زمن الانفلات
وتشهد محافظة تعز منذ سنوات حالة من التدهور الأمني المتصاعد، مع تزايد جرائم الاغتيال والخطف والسطو المسلح، في ظل غياب شبه كامل للسلطة القانونية، واتهامات متبادلة بين الأطراف العسكرية والأمنية بالتقاعس أو التواطؤ. وجريمة اغتيال أفتهان المشهري لم تكن الأولى، لكنها كانت الأشد تأثيرًا، نظرًا لرمزية الضحية وطبيعة عملها الإنساني والخدمي، ما جعلها تتحول إلى رمز وطني للنضال المدني في زمن الحرب.
أفتهان.. رمز النظافة والنضال
تُعرف أفتهان المشهري بين أهالي تعز بـ"ملكة النظافة"، حيث كانت تقود جهودًا يومية لرفع المخلفات، وتنظيم حملات توعوية، وتحفيز المجتمع المحلي على المشاركة في الحفاظ على نظافة المدينة، رغم شح الموارد وانعدام الدعم الرسمي. وكانت دائمًا في الميدان، تشارك العمال وتتفقد الأحياء، ما جعلها تحظى باحترام واسع ومحبة جارفة من أبناء المدينة.
ردود فعل رسمية وشعبية
حتى لحظة كتابة هذا الخبر، لم تصدر أي جهة رسمية بيانًا واضحًا أو إجراءً ملموسًا استجابةً لمطالب المحتجين، وهو ما يزيد من حدة التوتر. في المقابل، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي عشرات التصريحات من نشطاء وحقوقيين وسياسيين، يطالبون بتدخل عاجل من رئاسة الجمهورية ومجلس القيادة الرئاسي، واصفين الجريمة بأنها "امتحان حقيقي لجدية الدولة في حماية مواطنيها وفرض هيبة القانون".
تعز اليوم ليست مجرد مدينة تنتفض لجريمة، بل هي ضمير وطني يصرخ في وجه الفوضى والانفلات. أفتهان المشهري لم تمت، بل أصبحت شرارة لثورة شعبية ضد الإفلات من العقاب، وضد ثقافة الصمت والتواطؤ. والسؤال الأكبر الذي يطرحه المحتجون: هل ستصغي السلطة لهذا الصوت، أم أن الدماء ستستمر في التدفق حتى يفيق الجميع؟