يمن بلا جيش دراسة تدعو لتمكين أبناء السواحل من حماية الممرات المائية وضمان الأمن الإقليمي والعالمي.

أصدر مركز تهامة للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية
أولى دراساته الاستراتيجية بعنوان غير مسبوق : "يمن بلا جيش: استقرار البحر الأحمر يبدأ من تهامة – رؤية استراتيجية لإعادة بناء الدولة وخارطة طريق بديلة للأمن الإقليمي والعالمي". وتقدم الدراسة أطروحة جريئة لكيفية إعادة صياغة مستقبل اليمن والمنطقة، منطلقة من قراءة واقعية لتجربة عقود من الصراعات المسلحة والانهيارات المتكررة للمؤسسة العسكرية اليمنية.
وتشدد الدراسة على أن أمن الممرات البحرية الدولية من البحر الأحمر إلى باب المندب، ومن خليج عدن إلى البحر العربي، لم يعد شأناً يمنياً داخلياً فقط، بل قضية ذات أبعاد إقليمية ودولية، نظرًا لحيوية هذه الممرات التي تمر عبرها أكثر من 10% من حركة التجارة والطاقة العالمية، بما فيها صادرات النفط والغاز القادمة من الخليج والمتجهة نحو أوروبا وآسيا. وتضيف أن أي تهديد لهذه الممرات – كما يحدث اليوم من هجمات الحوثيين – ينعكس فورًا على الاقتصاد العالمي وأسواق الطاقة وأسعار الشحن والتأمين.
وترى الدراسة أن المؤسسة العسكرية اليمنية لم تكن يومًا ركيزة للاستقرار أو رمزًا للوطنية، بل تحولت إلى أداة في يد النخب السياسية والعائلية المتصارعة. فقد قامت هذه المؤسسة على المحسوبية والولاءات القبلية والمناطقية، مما جعلها عاجزة عن حماية الدولة، وأفضى إلى انهيارها الكامل وتسليم ترسانتها لجماعات مسلحة استغلتها لتهديد الداخل والخارج. وتشدد الدراسة على أن أي مشروع لإعادة بناء الجيش اليمني بصيغته التقليدية لن يكون سوى إعادة تدوير للأزمة وإنتاجًا جديدًا للفشل.
وانطلاقًا من هذه القراءة، تطرح الدراسة مفهومًا بديلًا أسمته "يمن بلا جيش"، يقوم على تفكيك الاعتماد على الجيش المركزي واستبداله بمنظومة أمنية متعددة المستويات. ويقوم هذا النموذج على ثلاثة مسارات متكاملة:
المسار الأول: تمكين أبناء كل منطقة ساحلية من حماية سواحلهم وممراتهم البحرية بشكل مباشر، فتهامة مسؤولة عن البحر الأحمر وباب المندب، وعدن والجنوب عن خليج عدن والبحر العربي، وذلك عبر قوات محلية تتسم بالارتباط العضوي بالبيئة الجغرافية والاجتماعية التي تنشط فيها.
المسار الثاني: تأسيس شرطة وطنية مهنية ومدنية تحل محل الجيش في إدارة الأمن الداخلي، وتعمل على حماية المواطن وإنفاذ القانون بعيدًا عن الصراعات الأيديولوجية والولاءات المناطقية.
المسار الثالث: بناء شراكات استراتيجية مع التحالفات البحرية الدولية والإقليمية، بحيث تصبح القوى المحلية جزءًا من المنظومة الأمنية العالمية التي تضمن استقرار الممرات المائية وحماية التجارة الدولية.
وتستند الدراسة إلى نماذج وتجارب واقعية من العالم، تثبت إمكانية نجاح هذا الطرح. فهي تستشهد بتجربة كوستاريكا التي ألغت جيشها منذ منتصف القرن الماضي ووجهت مواردها للتنمية، وتجربة البشمركة في كردستان العراق التي أثبتت أن القوات المحلية يمكن أن تكون أكثر التزامًا وفاعلية في حماية مجتمعاتها، وتجربة بونتلاند بالصومال التي نجحت عبر قوة محلية مدعومة دوليًا في مكافحة القرصنة البحرية وتأمين ممرات بحرية كانت يومًا من أخطر مناطق العالم.
ويؤكد مركز تهامة أن ما يطرحه ليس وصفة جامدة، بل مجموعة من الحلول الجريئة القابلة للتطوير والتنضيج عبر الحوار السياسي الوطني والإقليمي والدولي. فالهدف هو فتح الباب أمام مقاربة مختلفة تكسر الحلقة المفرغة من العنف والحروب التي رافقت اليمن لعقود، وتعيد صياغة دور اليمن من مصدر تهديد دائم إلى شريك في حماية الأمن الإقليمي والدولي.
وتشير الدراسة إلى أن تطبيق نموذج "يمن بلا جيش" سيمثل تحولًا استراتيجيًا في فهم الأمن اليمني، حيث سيسمح بتخفيف الأعباء المالية والعسكرية على الدولة، ويوفر بيئة أفضل لبناء المؤسسات المدنية والتنمية الاقتصادية، ويضمن توزيعًا عادلًا للمسؤوليات الأمنية بما يمنع احتكار القوة ويغلق الباب أمام الانقلابات العسكرية والحروب الداخلية.
وتخلص الدراسة إلى أن الخيار المطروح – "يمن بلا جيش" وتمكين أبناء السواحل اليمنية من البحر الأحمر إلى البحر العربي – ليس مجرد فكرة نظرية، بل ضرورة استراتيجية لمستقبل اليمن واستقرار المنطقة، وأن الفشل في التفكير خارج الصندوق سيعني استمرار دوامة الفوضى وتهديد الملاحة الدولية، وهو ما لم يعد العالم قادرًا على تحمله.