المشهد اليمني

”صفقة الشيطان” — كيف يشتري الحوثي ولاء قتلة القاعدة بالدولار والسيارات؟ التفاصيل لأول مرة!

الأربعاء 24 سبتمبر 2025 12:52 صـ 2 ربيع آخر 1447 هـ
ارشيفية
ارشيفية

في وثيقة مفصلة تُعد الأخطر من نوعها على الساحة اليمنية، كشف مرصد الأزمات التابع لمركز P.T.O.C اليمن للأبحاث والدراسات المتخصصة، عن استراتيجية ممنهجة تتبناها مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيًا، لا تقوم على محاربة تنظيمات القاعدة وداعش كخصوم أيديولوجيين، بل على استقطابهم و"تدويرهم" كأدوات مرحلية لخدمة مشروعها التوسعي، في خرق صارخ للقوانين الدولية لمكافحة الإرهاب، وانتهاك فاضح لاتفاقيات مكافحة التطرف.

وجاء التقرير، الذي حمل عنوان "الرحلة والتدوير.. القاعدة في خدمة مشروع الحوثي"، ضمن سلسلة "تحالفات الإرهاب"، ليُفك شفرة التعاون المريب بين جماعتين إرهابيتين يفترض أن يكونا في حالة عداء طبيعي، لكن الواقع على الأرض يكشف عن تحالف عملي مُقنّع بشعارات "العدو المشترك" و"تحالف الضرورة"، يُدار من غرف عمليات استخباراتية حوثية عليا.

السجون.. معامل إعادة تدوير إرهابية

كشف التقرير لأول مرة عن تحويل مليشيات الحوثي للسجون الخاضعة لسيطرتها — وخاصة في صنعاء وصعدة — إلى "معامل مغلقة لإعادة تدوير الإرهابيين"، حيث يتم الإفراج عن عناصر خطيرة من القاعدة وداعش، ليس بحكم قضائي أو لأسباب إنسانية، بل بناءً على صفقة تجنيد واستقطاب، تُدار من قبل جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، ويتم بعدها نقلهم مباشرة إلى معسكرات تدريب سرية في محافظات مثل صعدة وعمران وذمار، لتلقي دورات عسكرية واستخباراتية متقدمة، قبل إعادة توزيعهم على الجبهات أو زرعهم في خلايا نائمة داخل المحافظات المحررة.

استراتيجية ممنهجة: من الاستقطاب إلى التوظيف السياسي والعسكري

وفق التقرير، فإن جهاز الأمن والمخابرات الحوثي أنشأ مشروعًا استراتيجيًا متكاملًا يرتكز على:

  1. استغلال الفراغ الأمني في المناطق المضطربة.
  2. استقطاب قيادات عليا من التنظيمات الإرهابية.
  3. إعادة توظيفهم في أدوار متعددة: من قيادة خلايا سرية، إلى تأسيس واجهات سياسية واجتماعية، وصولاً إلى تشكيل وحدات عسكرية نظامية تعمل تحت إمرة القيادات الحوثية.

حالات موثقة: قيادات القاعدة تتحول إلى "ضباط حوثيين"

1. أبو سالم الفطحاني – من قيادي في القاعدة إلى قائد ميليشيا حوثية في أبين

في عام 2021، استقطبت المليشيات القيادي المعروف علي سالم محمد أمقيده الفطحاني (أبو سالم)، وكلفته بتشكيل خلايا إرهابية في أبين، ثم توسيع مهامه لقيادة قوات عسكرية على جبهة الحلحل الحدودية بين أبين والبيضاء، تحت إشراف القيادي الحوثي طارق أحمد علي عبدربه الشريف (أبو مالك حريب).
ولم يكتفِ أبو سالم بتجنيد عناصر من القاعدة، بل استقطب شبابًا محليين من أبين، وأرسلهم للتدريب في البيضاء، ثم أعاد إلحاقهم في خلايا مسلحة لتنفيذ عمليات داخل المحافظة.

2. أبو عمر النهدي – منشق عن القاعدة يُؤسس "واجهة سياسية" لصنعاء

في مارس 2023، وبعد وساطة من الإرهابي حزام الصراري، استقطب الحوثيون القيادي المنشق رياض عمر محمد بن شعب النهدي (أبو عمر النهدي)، ورشحوه كحلقة وصل بين صنعاء وحضرموت ومأرب.
وفي أبريل 2025، أعلن النهدي عن تأسيس تيار سياسي باسم "التغيير والتحرير" في حضرموت، والذي كشف التقرير أنه غطاء لتشكيل معسكرات وتجنيد عناصر من القاعدة وداعش، وأصبح القناة الرسمية الجديدة للنشاط الاستخباراتي والميداني الحوثي في المناطق الشرقية.

3. أبو عمار المنذري – مكافأة بالمنصب مقابل إقناع القاعدة بالانسحاب

في سبتمبر 2021، استقطب الحسن عامر المراني — وكيل جهاز الأمن والمخابرات الحوثي — القيادي عبدالله عبد الاله المنذري (أبو عمار)، وكلفه بإقناع قيادات القاعدة بعدم المواجهة، وتم مكافأته بمنصب أمني إشرافي في الصومعة بأبين مطلع 2022.

4. أبو داوود الصيعري – جسر بين القاعدة وصنعاء

في منتصف 2022، تم إحضار القيادي سليمان محمد مبخوت الكندي (أبو داوود الصيعري) إلى صنعاء بوساطة شيخ قبلي موالي للحوثيين، حيث وقع اتفاق عمل مع الاستخبارات العسكرية بتنسيق قيادات عليا مثل أبو علي الحاكم وزايد النعيمي وعبد الله الرصاص.
وتكمن مهمته في إقناع عناصر القاعدة بالانتقال إلى صنعاء، ثم إعادة توزيعهم على محافظات شرقية لتنفيذ عمليات إرهابية متنوعة: تهريب أسلحة ومعادن وآثار ومخدرات، واغتيالات، وزرع عبوات ناسفة.

امتيازات مادية واجتماعية.. لضمان الولاء

لا يقتصر التقرير على كشف عمليات الاستقطاب، بل يوثق آليات التنفيذ والتحفيز التي تستخدمها المليشيات لضمان ولاء العناصر المُعاد تدويرها، ومنها:

  • منح رواتب شهرية بالعملة الصعبة تصل إلى 260 دولارًا أمريكيًا للفرد.
  • توفير أسلحة وسيارات.
  • امتيازات اجتماعية: حماية للأسر، وترتيبات زواج (كما يحدث في أبين وشبوة).
  • تزوير هويات ومنح أسماء حركية لإخفاء هوياتهم الحقيقية.
  • نقلهم خارج مناطقهم الأصلية لتفادي الكشف من قبل الحاضنة المحلية.

شبكة قيادات حوثية متورطة.. بالأسماء

كشف التقرير لأول مرة عن أسماء القيادات الحوثية المسؤولة مباشرة عن ملف "تدوير الإرهابيين"، ومن بينهم:

  • عبدالقادر الشامي — نائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات، المسؤول الأول عن ملف العلاقات مع المعتقلين.
  • عبدالكريم الحوثي — وزير داخلية المليشيات، المفوض الأمني الأعلى لقرارات الإفراج.
  • عبدالله يحيى المؤيد (أبو علي الحاكم) — قائد الاستخبارات العسكرية، المسؤول عن إعادة توزيع العناصر على الجبهات.
  • شخصيات ميدانية: أبو عماد المراني، علي عبدالله القاسمي، أبو محمد المطهر، إبراهيم صالح أحمد الماس، عبدالسلام أحمد حسن المرتضى، وأبو محمد السقاف.

إفراجات مشبوهة.. قتلة ومخربون يعودون للساحة

وثّق التقرير إفراجات خطيرة شملت قيادات متورطة في جرائم إرهابية كبرى، منها:

  • سامي فضل عبدربه ديان — المتورط في اغتيال اللواء سالم قطن (قائد المنطقة العسكرية الجنوبية سابقاً) — أُطلق سراحه مطلع 2024 بعد تجنيده لصالح الحوثيين، وتم تكليفه بتشكيل خلايا في أبين.
  • عناصر متورطون في تفجير ميدان السبعين في صنعاء.
  • عناصر ظهروا لاحقًا في جبهات مأرب والجوف وحضرموت، ما يؤكد إعادة توظيفهم ميدانيًا.

دعم إيراني.. وتجاهل دولي

يشير التقرير إلى أن هذا المشروع التخريبي لا يمكن أن يُنفذ دون دعم إيراني مباشر، سواء لوجستيًا أو تمويليًا أو استخباراتيًا، ويحمل الحرس الثوري الإيراني المسؤولية الكاملة عن تمويل وتسليح هذا التعاون بين جماعتين إرهابيتين.

كما يشير إلى ضبط الأجهزة الأمنية للحكومة اليمنية لأجهزة اتصالات عبر الأقمار الصناعية في مواقع عسكرية بأبين، كانت بحوزة عناصر القاعدة، ما يؤكد حجم ونوع الدعم الحوثي المقدم لهم.

توصيات عاجلة: تصنيف "التدوير" كجريمة حرب

في ختام التقرير، وجه مركز P.T.O.C اليمن نداءً عاجلاً إلى المجتمع الدولي، داعيًا إلى:

  1. تصنيف استراتيجية "تدوير الإرهابيين" ضمن جرائم الحرب.
  2. إنشاء قاعدة بيانات دولية للعناصر المفرج عنهم من سجون الحوثيين.
  3. تشديد الرقابة الدولية على السجون في مناطق الحوثي، بما في ذلك السجون السرية.
  4. فرض عقوبات صارمة ومباشرة على القيادات الحوثية المتورطة في هذا الملف.
  5. تحميل إيران والحرس الثوري المسؤولية القانونية والسياسية عن دعم هذا المشروع التخريبي في اليمن.