من داخل الصندوق

يمتلئ «الصندوق اليمني» بما يذهل الألباب ويحير العقول منذ 21 سبتمبر (أيلول) 2014، يوم كان رئيس الجمهورية اليمنية السابق، عبد ربه منصور هادي، مع قادة وممثلي الأحزاب السياسية ينتظرون وصول ممثلي «جماعة أنصار الله (الحوثيين)» إلى دار الرئاسة لتوقيع «اتفاقية السلم والشراكة الوطنية» بحضور المبعوث الأممي جمال بنعمر.
بينما كانوا ينتظرون، أطلّت المذيعة التونسية ريم بوقمرة من قناة «العربية - الحدث»، تتلو الأنباء العاجلة عن سيطرة ميليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء، حتى أتى نبأ عاجل مفاده: «توجيه وزير الداخلية لعناصر الأمن عدم الاحتكاك بالحوثيين، والتعاون معهم واعتبارهم أصدقاء الشرطة»... ارتاعت ريم هنا واحتارت، ثم مندهشة علّقت: «نحاول فهم ما يجري في اليمن...»!
منذ لحظتها حتى الآن لا تزال محاولة فهم ما يجري في اليمن مستمرة؛ لأنه «بين غمضة عين وانتباهتها» تطرأ تطورات و«تدهورات» لم تكن في الحسبان، تشعل صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، وتشغل رواد اختلاق المشادات وإثارة الزوابع داخل الفناجين... وبالذكاء الاصطناعي والغباء البشري تُصور «الصندوق» قد تشظى تماماً ولا يلملمه سوى استدعاء «مشكلات قديمة» على أنها «حلول جديدة»!
على غرار كل «تريند»، لا تلبث أي قضية تخبو حتى تشتعل قضايا وحوادث أخرى تشغل الناس وتحيرهم، وهكذا دواليك:
وإذا ما التام جرحٌ
جَدّ بالتذكار جرحُ
ومن داخل «الصندوق» تنزف جِراحٌ يستدعي بعضها مسارعة أصدقاء وأشقاء اليمن، مشكورين، إلى مشاركة أبناء اليمن مداواة الجِراح بمرهمٍ هادئ ونصحٍ هادف؛ وعلى الرغم من اجتهاد المشاركة بالرأي والنصح نتيجة متابعة الظواهر المستجدة داخل «الصندوق»، فإن أصدقاء وأشقاء اليمن، دون حيرة أو ارتباك وبمنتهى الوضوح، يؤكدون أن بأيدي اليمنيين أنفسهم إنهاء أزماتهم الناجمة عن «ثنائية الحرب والفوضى» حيث «فلت الزمام» كما يقول المثل اليمني.
تقليب صفحات مجهولة ومعلومة من تاريخ اليمن، جنوباً وشمالاً وفي كل أرجائه، يثبت أن لكل حدثٍ طارئ يحدث - سلباً أو إيجاباً - دورة تنتهي؛ طال أم دنا أجلها. ويحكي التاريخ نهاية من يتناسى الحقائق الواقعية التالية:
* أن لا مكان للجنون في أعمال الدولة.
* ضِيق مجال الانفراد تحت ظل الشراكة.
* غاية التوافق ضبط إيقاع العمل والحركة.
من لا يتناسى حقائق الواقع يتعاطى بمسؤولية مع كل مسعىً إيجابي محلي أو إقليمي ودولي، ويتخطى تهويلات التواصل الاجتماعي؛ على النحو الذي خرج به بيان اجتماع مجلس القيادة الرئاسي مساء 18 سبتمبر الحالي، بشأن مراجعة قرارات المجلس وبعض أعضائه؛ مما أثبت وجود متسع للحل وترتيب الأمور كما يجب «داخل الصندوق»، و«من داخله» كذلك؛ لئلا «نبحث بعيداً عمّا هو بقربنا»، وفق تعبير للأديب المغربي عبد الفتاح كيليطو.
وعند الالتزام بما ينص عليه القانون، فسينتصر الجميع؛ ما دام مجلس القيادة الرئاسي يُقِر العمل وفق «القواعد المنظِّمة» لأعمال الجميع، والاستعانة بـ«الفريق القانوني» - مع إمكانية استعانتهم بـ«اللجنة العسكرية والأمنية» - بوصفها جهات مساندة لمجلس القيادة، وفق قرار نقل السلطة في 7 أبريل (نيسان) 2022 الذي استحدث فريقين: اقتصاديٌ وقانونيٌ، وهيئةَ تشاور ومصالحة؛ وإلى جانب استمرار حكومة الكفاءات، أبقى أيضاً على مجلسي النواب والشورى بصفتهما من المؤسسات الدستورية التي ينبغي تفعيلها.
إن إدراك مستوى حضور القانون والدستور اليمنيين والقواعد المنظِّمة، والعمل بها، وتعاون جميع الفرق والهيئات والمؤسسات الدستورية، يُيسر محاولة فهم ما يجري داخل اليمن... ومحاولة تفهم أن القانون - لا الجنون - خير ما يُسيِّر أعمال البلاد وشؤون العباد.
*الشرق الأوسط