المشهد اليمني

”النفط يتدفق… والقبائل تتصارع… والخارج يتدخل: ما مصير حضرموت؟”

الأربعاء 24 سبتمبر 2025 09:14 مـ 2 ربيع آخر 1447 هـ
احتجاجات حضرموت
احتجاجات حضرموت

تتعرض محافظة حضرموت اليمنية، الأكبر مساحةً في البلاد، لتحولات دراماتيكية تعيد تشكيل ملامح مستقبلها، في ظل معادلة معقدة تجمع بين الثروة النفطية المتزايدة، البنية القبلية العميقة الجذور، والتجاذبات السياسية والجيوسياسية الإقليمية والدولية.

وبحسب ورقة بحثية موسّعة أعدها الباحثة د. رحيمة عبدالرحيم، فإن حضرموت تقف اليوم عند مفترق طرق حاسم، قد يُحدّد مصيرها لعقود قادمة، بين أن تصبح قاطرة للتنمية والاستقرار في اليمن، أو ساحة لصراعات مفتوحة تُستدرج إليها قوى خارجية بحثًا عن النفوذ والموارد.

النفط: العمود الفقري للاقتصاد اليمني ومحور التنافس

تُبرز ورقة بحثية نشرت أن حضرموت تُعدّ الركيزة الأساسية للاقتصاد اليمني، إذ تحتضن أبرز الحقول النفطية في البلاد، وعلى رأسها حوض المسيلة، الذي يُعتبر من أهم مناطق الإنتاج منذ مطلع التسعينيات.

ويرتبط هذا الحوض الحيوي بميناء الضبّة النفطي عبر أنبوب تصدير يمتدّ لمسافة تقارب 130 كيلومترًا، ليشكّل شريان الحياة لصادرات النفط اليمنية.

وتكشف الدراسة عن وجود عشرات القطاعات النفطية المنتجة أو قيد الاستكشاف، مع تقديرات رسمية تشير إلى احتياطيات نفطية محتملة قد تصل إلى 50 مليار برميل، ما يجعل من حضرموت واحدة من أغنى المحافظات نفطيًّا في شبه الجزيرة العربية.

هذا الثراء الطبيعي لم يمرّ مرور الكرام، بل حوّل المحافظة إلى مركز جذب لشركات النفط العالمية، وساحة تنافس محموم بين الأطراف المحلية والخارجية، كلٌّ يسعى لضمان حصة من هذه الثروة أو التأثير في مسارات إدارتها.

القبائل: حارس البوابة وصانع القرار

إلى جانب الثروة النفطية، تُشير الورقة إلى أن البنية القبلية في حضرموت لا تقل أهمية، بل قد تكون أكثر تأثيرًا في بعض الأحيان. فالقبائل، بحسب الباحثة، تمتلك زمام المبادرة في كثير من القرارات المحلية، وتشكل حاجزًا صلبًا أمام أي مشروع لا يحظى بتوافقها، أو جسرًا استراتيجيًّا لأي ترتيبات سياسية أو أمنية تسعى الدولة أو القوى الإقليمية لفرضها.

ويُعدّ الحدث الذي وقع في 12 أبريل 2025 مثالًا صارخًا على هذا الدور. فقد دعا وكيل أول المحافظة، عمرو بن حبريش، إلى اجتماع قبلي موسع في منطقة "الهضبة"، خرج بمجموعة من المطالب أبرزها الدعوة إلى "حكم ذاتي" وتشكيل "قوات خاصة لحماية حضرموت".

لكن هذه الخطوة لم تمرّ دون ردّة فعل مضادة، إذ سارعت قبائل أخرى إلى رفض ما وصفته بـ"التفرد بالقرار"، مؤكدة أن "حضرموت لكل أبنائها"، وأن أي ترتيبات مستقبلية يجب أن تراعي التنوّع القبلي والمناطقي داخل المحافظة.

ويعكس هذا التباين توازنات دقيقة بين الطموحات المحلية المشروعة والهواجس الوطنية، في ظل غياب دولة مركزية قادرة على فرض سلطتها.

الجغرافيا كمغناطيس للنفوذ الخارجي

ولا تقف أهمية حضرموت عند حدود ثروتها النفطية أو نسيجها القبلي، بل تمتدّ إلى موقعها الجيوسياسي الاستراتيجي. إذ تطلّ على بحر العرب، وتُشرف على ممرات ملاحية دولية حيوية، ما جعلها محطّ أنظار القوى الإقليمية والدولية.

وتُشير الورقة إلى أن دولة قطر وظّفت أدواتها الإعلامية والإنسانية لتعزيز نفوذها في المحافظة، في حين سعت تركيا إلى التغلغل عبر الروابط الدينية والثقافية، مستفيدة من البيئة الصوفية الراسخة في المجتمع الحضرمي.

هذه التحركات لا تجري في فراغ، بل تتقاطع مع مخاوف السعودية وعُمان بشأن أمن البحر العربي واستقرار خطوط الملاحة الدولية، ما يحوّل حضرموت إلى محور رئيسي في صراع نفوذ أوسع يمتدّ من الخليج إلى القرن الإفريقي.

تحديات البناء مقابل مخاطر التفتيت

وفي ختام الورقة البحثية اكدت من أن التحدي الأكبر الذي يواجه حضرموت لا يتمثّل فقط في حماية ثرواتها من النهب أو الاستغلال غير العادل، بل في كيفية إدارتها بشفافية وفعالية، وبناء منظومة أمنية قادرة على حماية الحقول وخطوط التصدير من أي تهديدات داخلية أو خارجية. ك

ما تشدّد على ضرورة تثبيت توافق قبلي شامل يضمن تمثيلًا عادلًا لكل المكونات الاجتماعية، بعيدًا عن الاستقطاب السياسي أو التوظيف الخارجي لمصالح أجنبية.

وتخلص الدراسة إلى أن مستقبل حضرموت لن يُقرّره النفط وحده، ولا القبيلة بمعزل عن غيرها، بل قدرتها على صياغة معادلة داخلية متوازنة تجمع بين التنمية، الأمن، والمشاركة العادلة، وتُقلّل من الاعتماد على وكلاء الخارج في صراعات الثروة والقرار.

استحقاق تاريخي

بهذه المعطيات، تقف حضرموت أمام استحقاق تاريخي لا يحتمل التأجيل: إما أن تنجح في تحويل ثرواتها الطبيعية وموقعها الجغرافي إلى رافعة لتنمية مستدامة ودولة مؤسسات، أو أن تتحول إلى بؤرة صراع طويل الأمد، تُستدرج إليها القوى الإقليمية والدولية، لتُصبح ساحة لتصفية حسابات لا علاقة لها بمصالح أبنائها، ولا تنتهي عند حدود اليمن.