لماذا اختارت إيران اليمن لا لبنان لتجريب صواريخها؟

الحوثي ليس حركة يمنية كما يزعم، بل هو صنيعة إيرانية بالكامل: فكرًا، منهجًا، شعارًا، سلاحًا، تمويلًا وتخطيطًا.
منذ البداية، صاغت طهران مشروعه ليكون ذراعًا عسكرية خارج حدودها، يؤدي أدوارًا لا تستطيع إيران تنفيذها مباشرة، مستغلةً الموقع الجغرافي لليمن لإلحاق الأذى بالمنطقة والأمن البحري العالمي، وخدمة أجندتها في القرن الإفريقي، وتخادُمًا مع المنظمات الإرهابية.
لقد اختارت إيران الحوثي بعناية ضمن تخطيط استراتيجي بعيد المدى لتنفيذ أدوار متعددة ضمن مشروع تصدير الثورة، ضرب الملاحة البحرية، ترسيخ خطوط التهريب إلى القرن الإفريقي، التعامل مع التنظيمات الإرهابية، والأهم: تجريب أسلحتها وصواريخها وطائراتها المسيّرة.
▪️ لماذا اليمن؟
إيران لم تختَر لبنان أو سوريا لتجربة صواريخها بعيدة المدى أو طائراتها المسيّرة، لأن:
١. المسافة قصيرة جدًا: بين جنوب لبنان أو دمشق وإسرائيل، لا تتجاوز عشرات الكيلومترات، ولا تحقق أي اختبار عملي للصواريخ الباليستية أو الطائرات المصممة لقطع مئات الكيلومترات.
بينما المسافة بين إيران وإسرائيل ≈ 1,600 كم، وهي قريبة جدًا من المسافة بين اليمن وإسرائيل ≈ 1,800 كم.
النتيجة:
اليمن يشكل نقطة محاكاة مثالية لتجربة السلاح الإيراني على بعد استراتيجي، لضمان قدرة هذه الأسلحة على الوصول إلى إسرائيل من أراضيها إذا دعت الحاجة.
لهذا السبب حولت طهران اليمن إلى منصة اختبار وتجريب، مع الحرص على عدم استنزاف ورقة حزب الله أو سوريا، تاركة لهما دورًا تكتيكيًا في ما يُسمى "إسناد غزة"، لكن إسرائيل كانت الأسرع وضربت حزب الله وأضعفت النظام السوري الساقط.
▪️المسافات تقريبية (خط الطيران):
صنعاء → تل أبيب: ≈ 2,088 كم
صنعاء → إيلات: ≈ 1,839 كم
طهران → تل أبيب: ≈ 1,582 كم
الأهواز → تل أبيب: ≈ 1,316 كم
أي أن إيران أقرب لإسرائيل جوياً من اليمن بما يصل إلى 800 كم، لكن إسرائيل فضلت استخدام التجارب الحوثية لتطوير دفاعها الجوي، ونجحت فعليًا قبل حرب الـ12 يوم الأخيرة بين اسرائيل وإيران والتي كشفت مزاعم طهران كقوة اقليمية واضعفت قدراتها العسكرية وقضت على طموحها النووي
▪️ تجارب الصواريخ في اليمن
إيران تعتبر اليمن جزءًا من مسارها العسكري الاستراتيجي وموقعًا متقدمًا لها، لذا جربت هناك أسلحة متعددة وأطلقت آلاف الصواريخ والطائرات المسيّرة.
أغلب التجارب كانت على مأرب بين ٢٠١٩– ٢٠٢٢م، حيث فشل البعض منها، مما أدى إلى خلافات بين الحوثي ومموليه الإيرانيين.
وكانت فرصة لإيران التي استطاعت تطوير نماذج متقدمة استخدمت لاحقًا في محاولات اغتيال قيادات عليا في الجيش، ورصد مواقعها عبر اختراق الاتصالات.
ولم تقتصر التجارب على الداخل اليمني، بل شملت استهداف منشآت اقتصادية خارج اليمن:
▪️معامل أرامكو في بقيق وخريص (سبتمبر 2019): تقارير متعددة أكدت أن الطائرات المسيّرة انطلقت من العراق، لكن تبنّاها الحوثيون.
▪️رأس تنورة (سبتمبر 2020)
▪️أبوظبي (17 يناير 2022)
???? الذراع الإيرانية في البحر
إيران أعدت ومنذ سنوات لمعركة البحار في اليمن عبر دعم الحوثيين بالأسلحة والمعدات ،جاءت عملية طوفان الأقصى في ٧ اكتوبر فرصة كبيرة ومنحتها الشرعية الشعبية والغطاء الأخلاقي لتنفيذ عملياتها البحرية من اليمن متعلقة بقضية غزة، بعيدًا عن جغرافيتها، مع تثبيت نفوذها الإقليمي في اهم ممر بحري في العالم عبر العشرات في البحار اليمنية
▪️ وتحرص على استمرار حرب غزة لتجربة أسلحتها، وإذا توقف الوضع هناك، فإنها ستستعين بالحوثيين لإبقاء الصراع مشتعلاً، مع التركيز على البحر الأحمر لاختبار صواريخ كروز، القوارب المفخخة، وطرق القرصنة والاستحواذ على السفن.
معركة البحار استراتيجية جدًا لإثبات النفوذ الإيراني، ولإشغال العالم بعيدًا عن مياهها، خصوصًا أنها لا تجرؤ على إغلاق مضيق هرمز، لكنها تحرض الحوثيين على مضيق باب المندب، وهو منفذ رئيسي لتهريب الأسلحة والخبراء إلى القرن الإفريقي.
▪️ البعد الأيديولوجي
الحوثي مشروع مزدوج:
١. مشروع توسعي إيراني يقوم على ولاية الفقيه (نائب المهدي المنتظر).
٢. مشروع محلي يعتقد الحوثي أنه الأحق بالسلطة.
لكن إيران لا تعترض على هذا التناقض طالما أنه يحقق هدفها: مشاغلة الخليج، تهديد البحر الأحمر، وتحويل اليمن إلى مخزن سلاح ومنصة إطلاق وممر تهريب.
الخاتمة
نجحت إيران عبر أذرعها في لبنان وسوريا والعراق لعقود في مشاغلة العالم ، لكنها لم تحسب حساب الضربات الإسرائيلية الأخيرة في حرب الـ12 يوم، التي أضاعت ما بنته في 40 عامًا.
اليمن أصبح اليوم مختبرًا عسكريًا مفتوحًا لإيران، يدفع ثمنه اليمنيون بدمائهم، بينما تتأثر المنطقة والأمن العالمي، دون اعتبار للخسائر المتزايدة على اليمنيين.