ما لا تعرفه عن التثاؤب.. بين وظائف الدماغ والتواصل الاجتماعي والتحذير الصحي

يُعد التثاؤب من أكثر السلوكيات الغامضة والمشتركة بين البشر والحيوانات، وغالبًا ما نربطه بالنعاس أو الملل، لكنه في الواقع عملية فسيولوجية ونفسية معقدة، لا تزال تحيّر العلماء على الرغم من كثرة الدراسات التي تناولته.
فإن فهم آلية التثاؤب قد يكشف الكثير عن نشاط الدماغ، والتنظيم العصبي، والحالة الصحية العامة، إلى جانب كونه مؤشرًا على الترابط الاجتماعي.
ما هو التثاؤب؟
التثاؤب هو رد فعل لا إرادي يتضمن شهيقًا عميقًا يليه زفير، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بتمدد عضلات الجسم، وارتفاع مؤقت في معدل ضربات القلب.
بينما يُلاحظ غالبًا أثناء التعب أو الملل، إلا أنه يمكن أن يحدث أيضًا في حالات الترقب أو التوتر العاطفي أو حتى خلال التركيز العميق.
تبريد الدماغ: أحد التفسيرات الرائدة
تشير إحدى النظريات الحديثة إلى أن التثاؤب يساعد في تنظيم درجة حرارة الدماغ. فعند التثاؤب، يتم جلب هواء أكثر برودة إلى الرأس، ما يُسهم في تبريد المخ ومنع ارتفاع حرارته، وهي آلية مهمة خلال الأنشطة الإدراكية المكثفة أو في الأجواء الدافئة.
التثاؤب ظاهرة معدية... لماذا؟
أحد أكثر الجوانب المثيرة هو أن التثاؤب معدٍ. فقد وجدت الدراسات أن مجرد رؤية شخص يتثاءب أو سماع صوت التثاؤب قد يُحفز نفس الفعل لدى الآخرين.
ويرتبط هذا الأمر بـ الترابط الاجتماعي والتعاطف. الأشخاص الذين لديهم علاقات وثيقة أكثر عُرضة للتثاؤب معًا. كما أن الأطفال الصغار والأشخاص المصابين بـ التوحد أقل عرضة للتثاؤب المعدي، مما فتح المجال لربطه بعمل الخلايا العصبية المرآتية والذكاء العاطفي.
هل يمكن أن يكون التثاؤب مؤشرًا صحيًا؟
رغم كونه أمرًا شائعًا، إلا أن التثاؤب المفرط أو المتكرر قد يكون إشارة إلى مشكلات صحية مثل:
-
اضطرابات النوم (مثل الأرق أو انقطاع النفس أثناء النوم)
-
أمراض عصبية مثل التصلب اللويحي أو الشقيقة (الصداع النصفي)
-
حتى السكتات الدماغية في بعض الحالات
كشفت دراسات من معهد نيويورك للتكنولوجيا عن ارتباطات عصبية بين التثاؤب المفرط وخلل في جذع الدماغ أو منطقة تحت المهاد، المسؤولتين عن تنظيم النوم واليقظة.
التثاؤب كآلية لتنظيم المشاعر والاستعداد الذهني
بعيدًا عن كونه علامة على التعب، يُعتقد أن التثاؤب قد يكون وسيلة للدماغ لإعادة الضبط. لذا نلاحظ التثاؤب قبل:
-
الأحداث المهمة مثل إلقاء الخطابات
-
الامتحانات أو المسابقات الرياضية
-
المواقف العاطفية المشحونة
يُساعد التثاؤب في تنظيم الحالة المزاجية والانتقال بين مستويات الوعي المختلفة.
التثاؤب والنوم: علاقة وثيقة بإيقاعات الجسم الطبيعية
يحدث التثاؤب غالبًا خلال الصباح الباكر وأوقات المساء، ما يعكس التغيرات الطبيعية في دورة النوم والاستيقاظ لدى الإنسان. وقد يكون التثاؤب أيضًا مؤشرًا على أن الجسم يستعد للنوم من خلال:
-
تبريد الدماغ
-
تعزيز الاسترخاء
-
تقليل النشاط العصبي
هل يساعد التثاؤب في تحسين الأوكسجين؟
كانت إحدى النظريات المبكرة تشير إلى أن التثاؤب يزيد من استنشاق الأوكسجين ويُقلل ثاني أكسيد الكربون في الدم. لكن الدراسات الحديثة لم تجد أدلة قوية على هذا التأثير، مما يقلل من أهمية هذا التفسير.
رغم بساطته الظاهرة، يظل التثاؤب سلوكًا معقدًا ومتعدد الأبعاد، يرتبط بوظائف الدماغ، والتواصل الاجتماعي، وحتى مؤشرات الصحة الجسدية والعقلية، لا يزال العلم يكشف المزيد عن هذا الفعل البشري المشترك، وربما يحمل في طياته مفتاحًا لفهم عميق لعلاقتنا بأجسادنا وعقولنا.