المشهد اليمني

يمني يعثر على معلمه المصري بعد 35 عاماً من الفراق و9 سنوات من البحث

الأربعاء 8 أكتوبر 2025 08:35 مـ 16 ربيع آخر 1447 هـ
المعلم مع اليمني
المعلم مع اليمني

في قصة إنسانية لامست قلوب الملايين، وجد المواطن اليمني عبده الشريف ضالته بعد رحلة بحثٍ استمرت تسع سنوات، ليُحقّق حُلمه بلقاء معلمه المصري عبد الحليم الجبيصي، الذي درّسه مبادئ القراءة والكتابة في اليمن قبل أكثر من ثلاثة عقود.

اللقاء الذي جمع الاثنين في مدينة "بلطيم" بمحافظة كفر الشيخ المصرية، كان مشهداً عاطفياً غلب عليه البكاء والحنين، وتجسّد فيه أسمى معاني الوفاء والامتنان.

القصة بدأت منذ عام 1990، حين كان عبده الشريف طفلاً صغيراً يجلس على مقاعد الدراسة الابتدائية في اليمن، ليتلقّى دروسه الأولى على يد المعلم المصري عبد الحليم الجبيصي، الذي كان ضمن جيلٍ من المعلّمين المصريين الذين ساهموا في بناء منظومة التعليم في اليمن خلال العقود الماضية. ترك الجبيصي في نفس تلميذه الصغير أثراً لا يُمحى، ليس فقط من خلال ما علّمه من قواعد اللغة والحساب، بل من خلال أخلاقه، حُبّه، وتفانيه في أداء رسالته التربوية.

وبعد عودة الجبيصي إلى مصر، انقطعت السبل بين المعلّم وتلميذه، لكن الذاكرة بقيت حيّة في قلب عبده، الذي لم ينسَ يوماً ذلك الرجل الذي كان له دورٌ محوري في تشكيل شخصيته ومستقبله. ومع مرور السنين، تحول الحنين إلى عزيمة صلبة، فبدأ عبده رحلة البحث عن معلمه، مستعيناً بكل السبل المتاحة، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى الشبكات الاجتماعية، مروراً بالاستعانة بأصدقائه ومعارفه في مصر.

وفي هذا السياق، كان للناشط المصري أمير صلاح دورٌ محوري في تحقيق هذا اللقاء. فقد تعرّف صلاح على القصة من خلال مبادرته الإنسانية "لمّ الشمل"، التي أطلقها عام 2020 بهدف إعادة ربط الخيوط الإنسانية التي قطعها الزمن والغُربة بين أفراد المجتمع العربي. وقال صلاح في تصريح خاص: "منذ أن وطأت قدما عبده الشريف الأراضي المصرية، كان يعيش على أمل واحد لم يفارقه: أن يعثر على معلمه الذي ترك في نفسه أثراً لا يُنسى منذ أكثر من 35 عاماً".

وأضاف صلاح أن فريقه بدأ العمل على تتبع خيوط القصة من خلال برنامجه "تجارب شخصية في دول المهجر"، الذي يوثّق قصص اللقاء والحنين بين الشعوب العربية، مشيراً إلى أن البحث استمر لسنوات عبر التواصل مع معلّمين مصريين عملوا في اليمن خلال الثمانينيات والتسعينيات، حتى "وفّقنا الله أخيراً للوصول إلى الأستاذ الجبيصي في بلطيم".

وفي لحظة اللقاء، لم تتمالك الدموع عبده الشريف، الذي وصف معلمه قائلاً: "هو أحد أفراد أسرتي التقيت به بعد 35 سنة. ليس مجرد معلم، بل بمثابة أخي الكبير أو أبي". وتابع بتأثرٍ عميق: "كنت أتمنى هذا اللقاء منذ زمن طويل، وكنت أتشوّق لرؤيته لأكثر من 35 عاماً. بيننا مواقف كثيرة لا تُنسى، ما زلت أتذكرها دائماً وكأنها حدثت بالأمس".

وأكد عبده أن هذا اللقاء كان حُلم حياته، وأنه حرص على تقديم درع تذكارية لمعلمه رمزاً للوفاء والعرفان، قائلاً: "هذا الرجل علّمني بحب وإخلاص وأخلاق رفيعة، وكنت أردد دائماً لأبنائي أن لي في مصر معلماً لن أنساه ما حييت".

من جانبه، عبّر المعلم عبد الحليم الجبيصي عن فرحته الغامرة، قائلاً: "أشعر اليوم وكأنني تُوّجت بجائزة نوبل اليمنية في الحب والإخلاص، لي ولكل معلم مصري درّس خارج وطنه. أهل اليمن لا ينسون الفضل أبداً، وهذا اللقاء أعاد إليّ أجمل ذكريات العمل هناك".

وأضاف الجبيصي بدموع الفخر والامتنان: "أن أرى أحد طلابي بعد 35 عاماً يصحب معه ابنه ليقول له: هذا هو المعلم الذي علّمني وأثّر في حياتي، شعور يفوق الوصف. إنه تأكيد أن رسالة المعلم تبقى خالدة رغم مرور السنين".

اللقاء الذي انتشرت مقاطعه على وسائل التواصل الاجتماعي، أثار تفاعلاً واسعاً بين النشطاء، الذين وصفوه بـ"درس في الإنسانية"، و"شهادة حيّة على أن الوفاء لم يمت"، مُشيدِين بدور المعلّمين المصريين في بناء أجيالٍ عربية، وداعين إلى تكريمهم وتوثيق إسهاماتهم.

قصة عبده الشريف وعبد الحليم الجبيصي ليست مجرد لقاء عابر، بل هي رسالة إنسانية عميقة تؤكد أن القيم كالوفاء، والامتنان، والعرفان، لا تذبل بمرور الزمن، بل تزداد جذورها عمقاً كلما ابتعدت السنون.