المشهد اليمني

يوسف المداني.. كلب حراسة الهاشمية السياسية

الأحد 19 أكتوبر 2025 10:03 صـ 27 ربيع آخر 1447 هـ
يوسف المداني.. كلب حراسة الهاشمية السياسية

ولد يوسف بن حسن بن إسماعيل بن حسن المؤيد الشهير بـ (أبو حسين المداني) في عزلة أبو دوار بمديرية مستبأ بمحافظة حجة عام 1977م وهو الأوسط من عشرة إخوة وأكثرهم تطلعا للسلطة والقيادة ويصغره أخوه (طه) الأقرب إليه منزلة وفكراً (قتل في جبهة دمت) عام ٢٠١٥م.

جده من أبيه العلامة إسماعيل بن حسن المؤيد ولقب بالمداني لأنه ولد في المدان بمديرية الأهنوم وتوفي فيها لذلك غلب لقب المداني على لقبه الأصلي (المؤيد) وقد تولى للإمام يحيى حميد الدين أعمال رداع وأعمال عمران، وانتدبه الإمام يحيى عام 1933م على رأس حملة عسكرية إلى جبال برط فتمكن من إخضاع قبائلها لحكم الإمام، وعاث فيها هو وجنوده فقتل من قتل وأسر من أسر وخرب بيوت رؤوس القبائل وصادر أموالهم وكانت نكبة عظيمة على أهل برط لا زال يتناقل أهوالها الأبناء عن الآباء.

بعد مقتل الإمام يحيى حميد الدين وتولي نجله الإمام أحمد ولي (المداني) أعمال ذمار وظل فيها حتى قيام الثورة فقبض عليه وأودع في السجن بصنعاء لمدة قصيرة ثم أفرج عنه، كان متعصبا للمذهب الهادوي الجارودي ولكن انشغاله بالسياسة والحكم صرفه عن الاشتغال بالتدريس، عندما أسس (الأستاذ) أحمد الشامي عام 1970م النواة الأولى للتنظيم السري للهاشمية السياسية فيما يسمى بالمجلس الأعلى لحكماء آل البيت حاول إقناع المؤيد (المداني) أن يكون عضواً بالمجلس لكنه اعتذر لتدهور حالته الصحية ورشح بدلا عنه العلامة حمود بن عباس المؤيد ، ثم مالبث أن توفي عام 1974م ، أما أبو يوسف حسن بن إسماعيل المداني فقد كان أحد القادة الميدانيين للإمام البدر وعامله على مديرية مستبأ حتى سقوط آخر قلاع الملكية في حجة عام 1969م.

ولد يوسف وأخوه طه في ظل النظام الجمهوري في أواخر السبعينات وفي منتصف الثمانينات التحقا بالمدارس العامة لكنها فشلا في الدراسة فشلا دفع بأبويهما أن يرسلهما إلى صعدة في نهاية التسعينات لطلب العلم لدى الكرسي الأعظم (كما يلقبونه) العلامة مجد الدين المؤيدي، لكن الشابين ما لبثا أن انصرفا عن مدرسة المؤيدي بعد بضعة أشهر والتحقا بكتائب الشباب المؤمن التي يقودها حسين بدر الدين الحوثي في جبال مران، وسرعان ما أصبح يوسف الفتى المدلل لمؤسس جماعة الحوثيين فأرسله عام 2002م إلى إيران عبر سوريا حيث تلقى تدريباً مكثفاً في معسكرات الحرس الثوري وقد مكث هناك ما يقارب العام، وبعد عودته أنكحه حسين بدر الدين ابنته قبل اندلاع الحرب الأولى بأشهر قليلة.
شارك (عمه والد زوجته) حسين بدر الدين الحوثي في الحرب الأولى عام 2004م وكان على رأس قائمة المطلوبين للدولة لضلوعه في قتل العديد من الجنود المرابطين في النقاط والمواقع العسكرية القريبة من معقل المتمردين الحوثيين، وعندما حوصر قائد المتمردين تمكن يوسف المداني من الفرار والنجاة بنفسه تاركاً قائده وعمه وحيداً في مواجهة الموت على أيدي أبطال الجيش الوطني.

بعد مقتل زعيم الحركة المتمرد حسين بدرالدين الحوثي في العاشر من سبتمبر عام 2004م تفرق أتباعه وتشرذموا وانحاز كل قائد من قادته الميدانيين بمن معه ومنهم يوسف المداني، لكن المداني كان يعتقد أنه الأولى والأجدر بقيادة الحركة وخلافة عمه كونه من أسرة حكم وملك فهو من نسل الإمام المؤيد بالله على عكس بدر الدين الحوثي وكل أبنائه وأحفاده الذين قفزوا للقيادة دون مسوغات تاريخية كالتي يملكها، فتمكن المداني من جمع شتات الحركة وإعادة تنظيم صفوفها داعياً لنفسه غير أنه لم يحظ بالقبول الذي كان لبدر الدين وأبنائه، وقتها كان معظم أبناء بدر الدين الحوثي خاصة الصغار منهم بما فيهم عبدالملك جنوداً تحت قيادة يوسف المداني الذي كان يمتلك الخبرة العسكرية اللازمة للقيادة الميدانية والتي تدرب عليها في صفوف الحرس الثوري الإيراني.

وبعد نجاح المداني في إعادة ترتيب صفوف الحركة بدأ الخلاف يتصاعد من جديد على خلافة الزعيم الهالك، وسعى أبناء بدر الدين لخلافة أخيهم واحتدم الخلاف بين اثنين منهم هما محمد (المؤسس الفعلي لمنتديات الشباب المؤمن) ويحيى عضو مجلس النواب، وكان هذا الخلاف فرصة سانحة للمداني للقفز إلى كرسي القيادة غير أنه لم يحسن استغلال الفرصة، في هذه الأثناء كان بدر الدين الحوثي ومعه زوجته المقربة وهي الرابعة في نسائه ومعه ابنه المدلل عبد الملك يقيم في خولان للنقاهة فذهب إليه يوسف المداني يشكو إليه خلاف أبنائه على قيادة الحركة وأن هذا الخلاف سيضيع جهوده المضنية في إعادة تجميع الصفوف وقد يؤدي الخلاف إلى تشرذم الحركة من جديد ومن ثم انتهائها في الأجل القريب.

فحسم الحوثي الأب الأمر من ساعته وعهد بالقيادة إلى ابنه عبدالملك، فقبل المداني على مضض وبايع عبد الملك، لم يكن سهلا على يوسف المداني تقبل عبدالملك الحوثي قائداً له وقد كان إلى وقت قريب أحد جنوده بالإضافة إلى كونه أصغر منه سناً وأقل خبرة وحنكة وتأهيلاً، وهذا ما يفسر الخلافات التي تنشب بين الرجلين من وقت لآخر، وقد حاول عبد الملك التخلص من المداني أكثر من مرة خاصة بعد أن شعر بتوجه يوسف لإعداد النجل الأكبر لحسين بدر الدين لقيادة الحركة وخلافة عمه عبد الملك فور خلو القيادة لأي سبب من الأسباب.

في شهر فبراير من عام 2005م تولى عبدالملك الحوثي زمام الأمور في الجماعة التي ورثها عن أخيه بإيعاز من أبيه ودعم من إيران، وكان أول شيء يفعله هو الاتصال بالقائد الميداني عبدالله عيضة الرزامي الذي أتى مهرولاً وبايع الحوثي الصغير وأصبح الذراع اليمنى له، وهذا ما أوغر صدر يوسف المداني على الرجلين معا وهو الذي كان يؤمل أن يكون هو الذراع اليمنى وصاحب الكلمة الأقوى لدى قائد الجماعة، ثم مالبث الحوثي الصغير أن فجر الحرب الثانية مع الدولة بعد شهر واحد فقط من توليه قيادة الحركة في شهر مارس من عام 2005م لعب فيها الرزامي الدور الأكبر غيما كان المداني يقاتل على مضض تحت إمرة الرزامي، ولكن سرعان ما انتهت الحرب بعد ثلاثة أشهر فقط مخلفة 200 شهيداً في صفوف الجيش الوطني ومقتل 522 مدنياً و 2.700 جريحاً وخسائر اقتصادية تقدر بـ 270 مليون دولاراً وانتهت أيضاً بتسليم الرزامي نفسه للسلطات في أواخر شهر يونيو من نفس العام في صفقة غامضة يعتقد أن وراءها يوسف المداني للتخلص من الرجل الذي يزاحمه على القيادة الميدانية للحركة.

بعد تسليم الرزامي نفسه للسلطات أصبح يوسف المداني عملياً الذراع الأيمن للحوثي الصغير، وقد أثبت جدارة عسكرية في كل الحروب الأربع التي خاضتها الحركة مع الدولة تحت قيادته، غير أنه غامر بالحركة عندما أقحمها في حرب مع المملكة العربية السعودية عام 2009 إبان الحرب السادسة مما دفع بالمملكة إلى التدخل العسكري باستخدام سلاح الجو الملكي في قصف مواقع المتمردين في صعدة وهو ماسبب للحركة خسائر جسيمة أدت إلى نشوب خلاف حاد بين قائد الجماعة والقائد الميداني للجماعة يوسف المداني فذهب الأخير مغاضبا إلى جبال حليم بمديرية الصفراء، وأثناء هذه الحرب (السادسة) نجا المداني من أول محاولة اغتيال نفذها الطيران الحربي أثناء اجتماع مصالحة دعا إليه المداني بين قادة فصيلين حوثيين نشب بينهما القتال في حرف سفيان، وكان المقرر أن يأتي المداني إلى المنزل المتفق عليه لاجتماع المصالحة غير أنه تأخر قليلاً وقصف الطيران الحربي المنزل فقضى على كل من بداخله، ومن يومها أطلق لقب "الرجل المستحيل" في صفوف الحركة على يوسف المداني.

في إطار الاتفاق الذي جرى بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح والتنظيم السري للهاشمية السياسة ممثلا باللواء يحيى الشامي أثناء الثورة الشبابية والذي قضى بتسليم محافظتي صعدة وحجة للحوثيين كلف قائد الجماعة يوسف المداني بالسيطرة الميدانية على محافظة حجة، فانطلق الرجل على رأس حملة مسلحة قوامها خمسة أطقم إلى مسقط رأسه في منطقة أبو دوار بمديرية مستبا وهناك اتخذ من منزلهم القديم مركزاً للقيادة العسكرية، وقام أثناء إقامته بتجنيد المئات من أبناء مديرية مستبا والمديريات المجاورة لها، ومن ثم بدأ بإشعال نيران الحروب في كل من كشر وحجور وعاهم، وأمر بزراعة مئات الألغام التي حصدت عشرات الأرواح لاحقا، وبالفعل تمت السيطرة على محافظة حجة وأصبحت عملياً إلى جانب محافظة صعدة تحت حكم ميليشيات الحوثي.

بعد سيطرة الحوثيين على محافظتي صعدة وحجة اتجهت أنظارهم إلى محافظة عمران، ولكي تتم السيطرة على محافظة عمران فقد استدعى قائد الجماعة ذراعه الطولى وعصاه الأقوى يوسف المداني وكلفه بمهمة إسقاط محافظة عمران والقضاء على الوجود القبلي فيها المتمثل بآل الأحمر في حاشد والوجود العسكري للجيش الوطني متمثلاً في اللواء 310 مدرع وقائده اللواء حميد القشيبي وكذلك التواجد الحزبي في قيادة المحافظة متمثلاً في حزب الإصلاح، ولأجل نجاح المهمة جندت الحركة تحت قيادة المداني معظم قياداتها الميدانية البارزة ومعظم عناصرها المدربة، وبالفعل فقد بدأ المداني معارك السيطرة على محافظة عمران على مرحلتين تبدأ أولاها من حاشد حيث تمكنت الحركة - بتواطؤ قيادات مؤتمرية- من السيطرة على مديريات حاشد، وتفجير منازل آل الأحمر ومصادرة مزارعهم وممتلكاتهم، ووقف يوسف المداني على أنقاض منزل الشيخ الأحمر في منطقة (الخمري) بعد تفجيره متباهياً ومزهواً بالانتقام من الأسرة التي كانت واحداً من أهم الأسباب في سقوط الحكم الإمامي في اليمن .

#التنظيم_السري_للهاشمية_السياسية